السبع فى مواجهة التنين!
السبع، ليس ذلك الحيوان المفترس، بل هو عدد الدول الصناعية الكبرى، التى يعقد قادتها اجتماعهم السنوى، منذ أمس الأول الأحد، فى قصر إلماو بالجنوب الألمانى، وقرروا مواجهة الصين بالإعلان، أو بتكرار الإعلان، عن برنامج أو مشروع ضخم للاستثمار فى البنى التحتية للدول النامية، يهدف، بشكل واضح، إلى مواجهة مبادرة «الحزام والطريق» الصينية.
تحت عنوان «إعادة بناء العالم بشكل أفضل» شهدت قمة «مجموعة السبع» السابقة، التى استضافتها بريطانيا، الإعلان عن برنامج أو مشروع شبيه. وقيل وقتها إن جاستن ترودو، رئيس الوزراء الكندى، قاد مناقشة، خلال تلك القمة، بشأن الصين ودعا القادة إلى التوصل إلى نهج موحد لمواجهتها، وتقليص النفوذ الصين المتنامى. وفى المقابل، ردّت الصين بأن الأيام التى كانت فيها «مجموعة صغيرة» من الدول تقرر مصير العالم، قد ولّت منذ فترة طويلة، وانتقدت القوى التى لا تزال تفكر بعقلية إمبراطورية عفا عليها الزمن.
مجددًا، وقبل خطاب الرئيس الأمريكى جو بايدن، الذى أعاد فيه طرح البرنامج، المشروع أو الاقتراح، قال البيت الأبيض، فى بيان، إن الولايات المتحدة تسعى مع «مجموعة السبع»، إلى جمع ٦٠٠ مليار دولار بحلول سنة ٢٠٢٧، من أجل استثمارات عالمية فى البنى التحتية. وأكد المستشار الألمانى أولاف شولتس، الذى شارك بايدن فى طرح البرنامج، أن المجموعة «وضعت لنفسها هدفًا طموحًا يتمثل فى تقديم عرض أفضل للعالم». وبينما تعهدت الولايات المتحدة بأن تقوم بجمع نحو ٢٠٠ مليار دولار، فى السنوات الخمس، قالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إن أوروبا ستجمع ٣٠٠ مليار يورو خلال الفترة نفسها.
جمع، يجمع، جمعًا، فهو جامع، وليس بالضرورة أن يكون مالكًا لما جمعه. ومنعًا للالتباس، أوضح بيان البيت الأبيض أن هذه الأموال سيتم جمعها من خلال المنح والصناديق الاتحادية، ومن استثمارات القطاع الخاص، مضيفًا أن مئات المليارات من الدولارات الإضافية يمكن أن تأتى من بنوك التنمية متعددة الأطراف ومؤسسات تمويل التنمية وصناديق الثروة السيادية وغيرها. فى حين أن مبادرة «الحزام والطريق»، التى أطلقها الرئيس الصينى شى جين بينج، سنة ٢٠١٣، قامت بالفعل بمبادرات تنموية واستثمارية فى أكثر من ١٠٠ دولة.
التنين كان شعارًا لأباطرة الصين، ويراه الصينيون رمزًا للحكمة والقوة والثروة والفأل الحسن، وتقول أساطيرهم إنه واحد من أربعة حيوانات استدعاها الإله الخالق، «پان كو»، للمشاركة فى فعل الخلق. وفى كتابه «قوة الأسطورة»، رصد جوزيف كامبل، Joseph Campbell، اختلافات، نراها مهمة، بين النظرتين الصينية والغربية للتنين، أبرزها أنه يرمز إلى الخير فى الأولى، بينما تتهمه الثانية، أى النظرة الغربية، بأنه يحاول أن يجمع كل شىء من أجل ذاته، ويقوم بإخفائه، مع أكوام الذهب، فى كهفه السرى.
هذا الاختلاف، انتقل من عالم الأساطير إلى أرض الواقع، إذ زعم الغرب أن مبادرة «الحزام والطريق» أو خطة التنين الصينى لإنشاء نسخة حديثة من طريق التجارة القديم، الذى كان معروفًا باسم «طريق الحرير»، لا تخدم غير الصين ولا تقدم فوائد ملموسة للدول النامية، وقيل إن قيام بكين بتنفيذ مشاريعها، عبر قروض منخفضة الفوائد ومحفوفة بالمخاطر، يؤدى إلى تفاقم مشكلات ديون البلاد الهشة أصلًا!.
لا تُخفى الصين رغبتها فى إعادة تشكيل العالم وتصدير نموذجها، الذى تراه الأنسب لهذا «العصر الجديد». والعصر الجديد، هو الوصف الذى يستخدمه الحزب الشيوعى الصينى الحاكم، للإشارة إلى المرحلة الثالثة من تاريخ الصين المعاصر، بعد مرحلة ماو تسى تونج، التى استهدفت توحيد البلاد بعد حرب أهلية طاحنة، ومرحلة دنج شياو بينج، التى جعلت الصين ثانى أبرز قوة اقتصادية فى العالم.
فى المرحلة الثالثة أو العصر الجديد، يريد الرئيس الصينى الحالى تأكيد الوحدة والثراء، وجعل الصين أكثر انضباطًا، داخليًا، وذات دور أكبر خارجيًا. وتضمنت رؤيته أو فكره: «فكر شى جين بينج حول العصر الجديد للاشتراكية ذات الخصائص الصينية»، الذى تم تضمينه فى ميثاق الحزب الشيوعى الصينى، ١٤ مبدأ أبرزها «تعظيم قدرات جيش الشعب»، ليصبح الأقوى عالميًا، بحلول منتصف القرن الحالى، و«إعادة توحيد الأقاليم مع الوطن الأم» فى إشارة إلى هونج كونج وتايوان، وتحقيق «التعايش المنسجم بين الإنسان والطبيعة».
.. وتبقى الإشارة إلى أن قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا واليابان، الذين تنتهى أعمال قمتهم اليوم، الثلاثاء، ناقشوا مجموعة من الخيارات لزيادة عزلة روسيا عن النظام الاقتصادى، دون أن يقدموا حلولًا عملية لمواجهة تداعيات الأزمة الأوكرانية على إمدادات الطاقة والغذاء والاقتصاد العالمى، والأمريكى والأوروبى تحديدًا، بينما التنين الصينى يواصل صعوده السريع إلى قمة النظام الدولى.