المسرح الحر واجهة مشرفة تستحق الدعم
لا يمكن تحليل المسار والمصير دون تأمل النشأة والتاريخ.
نشأت صيغة المسرح الحر المعاصر فى أواخر الثمانينيات بظهور عدد قليل من الفرق، ثم جاء الميلاد الرسمى لهذا التيار فى المهرجان الأول للمسرح الحر ١٩٩٠، الذى ملأ ثغرة إلغاء مهرجان المسرح التجريبى حينها بعد غزو العراق الكويت، وقد أسست هذه الفرق بواسطة مجموعة من الفنانين الذين لم تستوعبهم حركة المسرح المصرى حينها متمثلة فى مسرح الدولة ومسرح القطاع الخاص، سواء لأنهم كانوا حملة رؤى فكرية جريئة، سياسية أو اجتماعية، وأفرز احتياجهم المغاير للإفلات من الرقابة صيغة مغايرة، أو لأنهم فنانون شباب لم يجدوا ثغرة لدخول مؤسستى الدولة والقطاع الخاص نظرًا لهيمنة العاملين عليها وقصر العمل فيهما على أشخاص بعينهم.
على مدى السنوات التالية للقاءات المسرح المستقل، بدأت الكيانات المسرحية فى تطوير إمكاناتها الفنية وعناصرها المسرحية المختلفة، وبات ينتمى إلى هذه الكيانات ممثلون ومخرجون ومصممو إضاءة وديكور محترفون، بمعنى أنهم اتخذوا من هذه العناصر مهنًا لهم درسوها وعملوا بها لسنوات.. وقد سافرت عدة عروض لهذه الكيانات، ممثلة مصر فى مهرجانات ولقاءات دولية.. مما وضع هؤلاء الفنانين المستقلين وكياناتهم المسرحية على خريطة المسرح العربى بقوة.
كانت وعبر تلك الفترات الممتدة تتجدد وعود الدعم، حيث وعد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى بدعم ١٠ فرق، لكن صندوق التنمية الثقافية تحجج بعدم مشروعية وضع الفرق المستقلة، مما حدا بالعديد من الفرق إلى تكوين جمعيات ومؤسسات أهلية، إلا أن تلك المشروعية لم تغير شيئًا فى الأمر، ثم كانت ثورة ٢٥ يناير.. فبدا وكأن التغير السياسى حينها يفتح بابًا جديدًا للأمل، وبالفعل أعلن عماد أبوغازى، وزير الثقافة الأسبق، فى يوم المسرح المصرى عن مشروع لدعم الفرق وتخصيص مسرح أوبرا ملك للفرق المستقلة، ثم عادت الأمور لنصابها مع استقالة عماد أبوغازى وعاد خطاب المؤسسة الذى يستنكر دعم الفرق المستقلة.
عقب ثورة ٣٠ يونيو، تجدد الأمل ثانية، حيث صدرت ورقة عمل عن ورشة أقيمت بالمجلس بعنوان «بروتوكول وآليات دعم المسرح المستقل»، ورفعت إلى وزير الثقافة أستاذى الراحل الأستاذ الدكتور جابر عصفور الذى يقيم المجلس الأعلى للثقافة مؤتمرًا علميًا يحمل اسمه خلال يومى ٢٦/ ٢٧ يونيو، وصدر قرار الوزارى التاريخى رقم ١٠٨ لسنة ٢٠١٥ بإنشاء وحدة دعم المسرح المستقل كوحدة تختص بوضع الخطط والسياسات العامة المتعلقة برعاية الدولة للنشاط المسرحى المستقل «فرقًا /أفرادًا»، ووضع ضوابط ومعايير وآليات صرف الدعم السنوى «مالى- لوجستى- بناء قدرات» المزمع تخصيصه لأنشطة الفرق المسرحية المستقلة ومتابعته، عمل مجلس أمناء الوحدة عقب صدور القرار على وضع لائحة تنظم عملها وتحدد آليات وضوابط الدعم، وأرسلت لوزير الثقافة السابق حلمى النمنم لاعتمادها، إلا أنه ومن حينها لم يتم اعتماد اللائحة ولم يفعل القرار، ولم يفتح حساب الوحدة بصندوق التنمية الثقافية وفقًا للقرار الوزارى.
الآن ونحن نرى ما نرى من فكر جديد ومختلف فى وزارة الثقافة، فكر واع أكثر بأهمية مشاركة المجتمع المدنى فى الحراك الثقافى ومدرك لأن الثقافة ليست حكرًا على العاملين بالمؤسسات الحكومية.. أجد الفرصة سانحة لأن أتوجه إلى الفنانة الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، آملين أن تعيد فتح هذا الملف، فما أحوج تلك الفرق فى مختلف أنحاء مصر إلى التمكين حتى تقوم بدورها فى نشر الوعى والثقافة والجمال.ش