مقترحات زكى نجيب محمود لـ«الحوار الوطنى»
الاستعانة برجال الفكر والمثقفين المخلصين لتشكيل وجدان وعقل جديد لإنسان نافع لوطنه
كثيرًا ما نتساءل اليوم فى حاضرنا عن الطريقة المثلى التى يمكن أن نعالج بها أزماتنا، وكيف نتخطى مشاكلنا ونتفادى الأخطاء. ولتكوين هذه الرؤية الإصلاحية والتقدمية يجب أن نستعين بكل صاحب فكر مختلف ونظرة جديدة قادرة على رؤية المشاكل بصورة واضحة لتعالجها من جذورها، وهنا يأتى دور المثقف الذى عرفه الكاتب الذى نحن بصدد الحديث عنه «إنه رجل بضاعته أفكار يريد بها أن يغير وجه الحياة إلى ما هو أفضل».
الكاتب هو الدكتور والفيلسوف والمفكر المصرى الكبير زكى نجيب محمود، والكتاب هو «هموم المثقفين» الصادر عن دار الشروق للنشر والتوزيع، أنت هنا أمام رؤية إصلاحية مختلفة يقدمها الكاتب الكبير، قد تكون متوافقة مع رؤية الدولة المصرية الآن والتى تأمل فى إقامة حوار وطنى، يقوم بمعالجة القضايا بشكل موضوعى يهدف إلى تقدم الوطن.
وإذا ذهبنا إلى مفكرنا الكبير فهو يرى أن معالجة القضايا الفكرية التى نعانى منها فى حاضرنا هى القادرة على بناء مستقبل أفضل، ولعلاج هذه القضايا الثقافية والتعليمية والفكرية يجب علينا الاستعانة برجال الفكر والمثقفين المخلصين، الذين يستطيعون تشكيل وجدان وعقل جديد قادر على استيعاب مفاهيم جديدة وقادر على أن يكون إنسانًا صالحًا ونافعًا فى بلده ووطنه، أى أن البداية يجب أن تكون بتأسيس عقل مثقف جديد.
أى أن الأستاذ زكى نجيب محمود يرجع مشاكلنا وقضايانا إلى سبب الجمود والخمول الفكرى الذى نعانى منه اليوم، هذا الخمول الذى لم يصب فقط عقل المجتمع على مدار سنوات سابقة، بل أصاب أيضًا عقل بعض من يمكن أن نطلق عليهم مدعى الثقافة والعلم، ولذلك ما عمل عليه زكى نجيب محمود فى كتابه، هو إعادة تعريف المثقف، ودوره فى الحياة الفكرية.
ويرى الكاتب أن اهتمام هذا المثقف القادر على التغيير يجب أن ينصب على «تشكيل الحياة من جذورها وصميمها، والاعتناء بالمحركات الكامنة فى دخائل النفوس». ويجب على المثقف «الإيمان بضرورة التغير والتحول وعدم الثبات الجامد، فكلما تغيرت الظروف من حولنا وجب أن نغير من أنفسنا لنلائم الوضع الجديد»، وهذا حتى لا ننفصل عن ركب الحضارة والتقدم.
ولكن تتوقف هذه الخطوة، أى خطوة التغيير والتجديد، ويتوقف تيار تغيير الفكر العربى والمصرى المعاصر مصطدمًا بصخرة الجمود الفكرى، الذى يدعو له البعض بصيغة دينية، ولكن الكاتب يرى أنه لا بد من تنقية العقيدة الدينية «مما قد علق بها من شوائب الخرافة فى فترات الضعف السياسى والتدهور الفكرى»؛ لأنه «لو كانت مسائل الحياة العملية كلها محلولة بنصوص مباشرة وصريحة، فى شريعة كتاب منزل على نبى- منذ نزول الرسالة وإلى الأبد- لما احتاج الإنسان فى مواجهة حياته لا إلى رسالة إلهية أخرى تهديه، ولا إلى عقله ليحتكم إليه كلما أشكل عليه أمر من أموره».
فالكاتب يدعونا إلى النظر إلى واقعنا بكل ما فيه من مشاكل وهموم فقط دون أن ننظر إلى مشاكل من سبقونا وكيف تعاملوا معها، بل نبحث نحن بأنفسنا عن أدوات جديدة تعيننا على الخروج مما نحن فيه، وأن يكون شاغلنا «مشكلات الناس على هذه الأرض، وألا نطير إلى طبقات الجو العليا، حيث نقاتل الظلال والأشباح».
ويدعونا الكاتب إلى مشاركة الرؤى والآراء التى تهدف إلى المصلحة العامة، سواء الدعوة إلى التجديد فى الحياة الثقافية والفكرية والخطاب الدينى، أو عدم الركون إلى رأى واحد، هو ما دعت وتدعو إليه الدولة المصرية من اللحظة الأولى.
يقول الكاتب فى مقدمة كتابه:
«وإذا شئت فانظر إلى شبابنا فى حيرته، لا يدرى أيتعصب إلى حد التزمت لما يقال له إنه طبيعة الإسلام، أم يتمرد ليحيا كما يقال له إن الشباب فى الغرب يحيون؟ هؤلاء وأولئك بيننا قائمون، أحوج ما يحتاجون إليه هو تحليلات من المثقفين تهديهم إلى طريق يجمع الطرفين، لكن المثقفين عن ذلك فى صمم».
فعلى المثقف الحقيقى الذى لا يطلب الشهرة أو المال، أن يكتب ويتحدث ليغير ما حوله من فكر خاطئ، وأن يحاول التأثير والتغيير فى الدائرة المحيطة به.
وينهى الكاتب الكبير كتابه بمقال بعنوان «خطاب إلى ولدى»، هو عبارة عن تعبير عن مشاعر مضطربة يفيض بها مفكر ومثقف مهموم بقضايا وطنه فى صورة كلمات يتحدث بها إلى ولده أو ابنه، أو فلنقل أبناءه الذين هم من وجهة نظرى كل قارئ له وكل من يريد استخدام هذا المنهج للتغيير والبناء. فالحضارات تبنى بعقول المخلصين من المفكرين والفلاسفة والمثقفين، فالحضارة الأوروبية التى نراها اليوم نشأت وتكونت هكذا مع أفكار ديكارت وكانط وسبينوزا، ومن قبلهم أرسطو وسقراط وأفلاطون، ونحن بحاجة اليوم إلى استعادة كل ما قدمه كل صاحب فكر، وإلى جهود كل مثقف معاصر من هؤلاء الذين لا يسعون إلى أهداف ومصالح ومآرب شخصية، بل من يضعون خدمة الوطن ومصلحته فوق كل شىء.