معارك الأدباء بسبب السياسة: محفوظ يصف قصيدة نزار بـ«الساذجة».. وإدريس يهدد الحكيم بالقطيعة
فى النصف الثانى من السبعينيات، اشتعلت الخلافات فى وجهات النظر على صفحات الجرائد، بين عدد من الأدباء، مثل يوسف إدريس وتوفيق الحكيم ونزار قبانى وغيرهم، بسبب عدد من القضايا السياسية وقتها.
وحسبما روى الكاتب طاهر عبدالرحمن فى كتابه «حكايات من الأرشيف»، نشب خلاف حاد عام ١٩٧٨ بين يوسف إدريس وتوفيق الحكيم، بسبب دعوة الأخير لتكون مصر على الحياد، واختلف معه «إدريس» لدرجة وصلت إلى القطيعة.
وفى ٣ مارس ١٩٧٨، كتب توفيق الحكيم مقالًا فى جريدة «الجمهورية» بعنوان «الحياد»؛ يعبر فيه عن تأييده فكرة إعلان مصر حيادها تقليدًا لدولة سويسرا، لتعزل نفسها عن كل أزمات العالم والإقليم.
وكتب «الحكيم» مقاله اعتقادًا منه بأن هذه الخطوة تجلب لمصر منافع اقتصادية وسياسية، ثم كتب مقالًا آخر بعنوان «ندوات الحياة»، فى ١٣ مارس من العام نفسه، مؤكدًا فيه فكرته. ورد يوسف إدريس على ما كتبه «الحكيم» بمقال فى ٢٢ أبريل ١٩٧٨، أشار فيه إلى كتاب «عودة الوعى» الذى كتبه الأخير إثر وفاة الرئيس جمال عبدالناصر، واصفا إيًاه بأنه مجرد «نكتة» لم يكن تحليلًا سياسيًا أو حتى بورتريه يكتبه شيخ من شيوخ الكتابة عن زعيم رحل، مضيفًا أنه مجرد شىء لا يرقى إلى شىء.
وأشار إلى أنه تعود على ألا يعتبر آراء توفيق الحكيم السياسية آراء جادة، فهو يسير عكس التيار طوال الوقت، ففى الوقت الذى كان يسير فيه المصريون نحو إقامة حياة سياسية ديمقراطية، خرج «الحكيم» بنظرية المستبد العادل، كما فعل فى الوقت الذى كانت فيه المرأة المصرية تخرج للنور، إذ به يجاهر بعداوتها.
ووصف «إدريس» دعوة توفيق الحكيم إلى «الحياد»، بأنها دعوة تهدد مستقبل مصر كله، وإذ وجد منه إصرارًا عليها، فسيكون ذلك سببًا فى قطيعة بينهما للأبد.
وفى سياق الخلافات الثقافية أيضًا، أحدثت قصيدة «المهرولون» للشاعر نزار قبانى جدلًا واسعًا، حيث نشرت فى جريدة الحياة اللندنية فى ٢ أكتوبر ١٩٩٥، وبعدها بثلاثة أيام نشر الكاتب وحيد عبدالمجيد تقريرًا يستعرض فيه رأى الأديب نجيب محفوظ فى القصيدة بعنوان «قصيدة قوية وموقف ضعيف».
وعبر أديب نوبل عن رأيه، بأن القصيدة أعجبته جدًا، لكنها لا تطرح بديلًا لعملية السلام فى الشرق الأوسط، خاصة أن الجميع يعتقد أنه «ليس من المعقول أن نوقف السلام ونقعد ساكتين».
واستعاد نجيب محفوظ فكرة تأييده مبادرة السلام مع إسرائيل وإشادته بها، مؤكدًا عدم تفهمه موقف الفلسطينيين من المعاهدة ورفضهم لها.
فى عدد ١٣ أكتوبر ١٩٩٥، رد الشاعر نزار قبانى على نجيب محفوظ بمقال عنوانه: «الشاعر يصنع القصيدة ولا يصنع القرار»، ووصف أديب نوبل بـ«السذاجة الشعرية»، إذ اعتبره قد خلط بين الشاعر والسياسى وبين الرواية والقصيدة.
وقال إن الرواية جلسة هادئة على مقهى الفيشاوى، أما القصيدة فهى عملية انتحارية، مضيفًا: «لو أن السادات سمع قصيدة أمل دنقل (لا تصالح) لما دخلنا النفق المظلم الذى نتخبط فيه إلى الآن».
ولم يرد نجيب محفوظ على ما كتبه نزار قبانى كعادته، إذ كان يفضل تجنب المعارك.