«ثقافة المثلية» تصيب أسهم «والت ديزنى» فى مقتل
قبل ثلاثة أيام أعلن بوب تشابيك، الرئيس التنفيذى لشركة «والت ديزنى»، عن طرد بيتر رايس، رئيس المحتوى الترفيهى العام، خلال اجتماع الشركة يوم الأربعاء الماضى، وتعيين دانا والدن، الرئيس التنفيذى لمجموعة «فوكس» التليفزيونية، مكانه، موضحًا أن سبب الطرد «لعدم توافقه مع ثقافة الشركة»، فماذا حدث فى صبيحة اليوم التالى؟
تراجعت أسهم الشركة على مؤشر «داو جونز» الصناعى بنحو ٤ بالمائة جديدة، وتالية لرحلة انهيار غير مسبوقة فى تاريخ الشركة العملاقة التى كانت آخر موجة ركود واجهتها خلال جائحة كورونا التى أصابت نشاطاتها الرئيسية منذ عامين.
انهيار أسهم «ديزنى» لم يبدأ بطرد رايس «المختلف مع ثقافة الشركة»، والذى كان يحظى باحترام وتقدير كبيرين لدى المستثمرين فى أسهم الشركة، وفى أسواق المال العالمية، بل سبقه بعدة أشهر، تحديدًا بعد نشر المقابلة التى تعهدت فيها كيرى بيرك، رئيسة المحتوى الترفيهى بالشركة و«الممثلة لثقافتها»، بنسبة من المحتوى لمساندة ما أسمته الأقليات الجنسية، ففى نهاية شهر فبراير الماضى، الذى أذيعت خلاله مقابلة بيرك، كان سهم «والت ديزنى»، يدور حول ١٥٠ دولارًا للسهم، ووصل سعره فى إغلاق الجمعة الماضى بالقرب من ٩٩ دولارًا، بنسبة تراجع تقترب من ٤٣ بالمائة بمعدل سنوى، وبحجم تداولات يصل إلى ١٥ مليار دولار، وفيما كانت القيمة السوقية للشركة تدور حول ٢٨١ مليار دولار فى أبريل الماضى، تراجعت إلى ١٨١ مليارًا فى إغلاق الجمعة، بخسائر سوقية تقترب من المائة مليار دولار، ما يفتح الباب واسعًا أمام العديد من التساؤلات حول ما يدور داخل عملاق صناعة الترفيه الأمريكى، فماذا يدفعها إلى تحدى العالم كله بمثل هذه الغطرسة والغباء والتخبط؟ ومن يدفع تكلفة عدم قدرة قيادات الشركة وموظفيها، الذين يقترب عددهم من ١٦٦ ألف موظف، على التحكم فى أجسادهم؟ أو عدم قدرتهم على فهم واحدة من أبسط الحقائق التى تحكم البشر حين يصل الأمر إلى مستقبل وحياة أطفالهم؟ من أين لهم تجاهل حقيقة أن العالم لا تحكمه الأهواء الشخصية، ولا الميول الفردية، أو النزعات الخاصة؟
أسئلة كثيرة لا بد أن تتبادر إلى الذهن مع توالى الأنباء القادمة من الساحل الأمريكى البعيد، ومع حالة العناد التى انتابت قيادة الشركة، فصورت لهم أنهم قادرون على تسيير العالم إلى حيث يريدون.
وبعيدًا عن موجة الدعوات إلى مقاطعة إنتاج الشركة من أفلام ومسلسلات، وما قد يترتب عليه من تراجع فى الاشتراكات، والأرباح، يبدو أن مجلس إدارة الشركة لا يدركون جيدًا ما هم مقدمون عليه، أو لا يهمهم ما قد يصيبهم من خسائر فادحة نتيجة للمواقف التى يصرون عليها، خصوصًا ما يتعلق بالمحتوى الخاص بالمثلية الجنسية، والذى تحدثت عنه أكثر من قيادة بها، بداية من كيرى بيرك، مسئولة المحتوى، والأم لشخصين أحدهما متحول جنسيًا والثانى مثلى، وصولًا إلى بوب تشابيك، الرئيس التنفيذى للشركة، ويبدو أنهم جميعًا يؤمنون بأن هناك أطرافًا أخرى سوف تدفع تكلفة تلك الحالة الشاذة التى أصابت رؤساء الشركة التنفيذيين ومديرى المحتوى الترفيهى.
الشركة التى أعلنت مؤخرًا عن إطلاق منصتها عربيًا، فى حفل بأوبرا دبى، رفضت تلقى مداخلات الصحفيين، خوفًا من أى تعليقات تتعلق بتصريحات بيرك الخاصة بالتعهد بتقديم ٥٠ بالمئة من محتواها لمساندة المثليين والمتحولين جنسيًا، دون أن تدرك طبيعة الجمهور الذى جاءت لتقديم محتواها إليه، وعلى الرغم من دعوات المقاطعة التى انطلقت من مهد الشركة فى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، فكيف تصورت قيادات الشركة أن جمهور الشرق الأوسط العربى سوف يقبل ما رفضه الغرب بصورة شديدة الوضوح؟
حتى العروض القوية التى أعلنت عنها الشركة مؤخرًا، سواء ما أعلنت عنه من تخفيضات فى الاشتراكات، أو ما يخص ضخ استثمارات بنحو ٣٣ مليار دولار للإنتاج هذا العام، أو حتى عودة الدبلجة بالعامية المصرية، بعد ١١ عامًا من الغياب، والتى كانت تضمن لها مشاهدات واسعة فى منطقة الشرق الأوسط، وفى غالبية الدول العربية، وتجهيز ٢٠ فيلمًا جديدًا مدبلجًا بالعامية المصرية.. كلها فشلت فى إطفاء حالة الغضب والهلع التى أصابت الأسر والعائلات حول العالم، وليس فى العالم العربى وحده.. وأغلب الظن أنها بدلًا من النمو المستهدف لمشتركيها ليصل إلى ٢٦٠ مليونًا، سوف يصيبها تراجع ضخم فى أعداد مشتركيها الحاليين، والذى يقترب من ١٣٧ مليون مشترك حول العالم.
ربما لا يدرك صناع القرار فى «ديزنى لاند» أنه رغم فداحة الخسائر التى لن يستطيع أحد إخفاءها، أو التكتم على أنبائها، فإن رحلة السقوط سوف تكون قاسية، وأنها ما زالت فى بدايتها، وأغلب الظن أن تداعياتها سوف تصيب أسواق المال العالمية بهزة لا يقدرون على تحملها، أو الصمود فى مواجهتها، وأن حياة عائلات ١٦٦ ألف موظف، وعامل، وفنى، يتم التضحية بها لصالح «تنفيذيى الثقافة المثلية»، ولصالح طفلى السيدة كيرى بيرك.