«ذى ديبلومات»: رغم الحرب.. فرص أمام أوروبا للنجاح فى منطقة المحيطين
رأت مجلة "ذي دبلومات" أن الاتحاد الأوروبي مازال لديه فرصة للنجاح في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، على الرغم من تكلفة الحرب في أوكرانيا.
وأوضحت المجلة، المتخصصة في شئون منطقة آسيا والمحيطين الهندي والهادئ ومقرها بالعاصمة الأمريكية واشنطن، أن الحرب في أوكرانيا ستؤدي حتمًا إلى كبح جماح القدرات الأوروبية في أماكن أخرى، إلا أن إمكانية الانخراط في منطقة المحيطين الهندي والهادي لم تتلاشى.
وأشارت إلى أن مفهوم المحيطين الهندي والهادئ يكتسب زخمًا في أوروبا، حيث عززت فرنسا لاستراتيجيتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتبعتها ألمانيا، وقاد ذلك كل منهما، في النهاية، إلى إطلاق استراتيجية مشتركة للاتحاد الأوروبي خاصة بمنطقة الإندو ـ باسيفيك، بينما لا تملك بريطانيا استراتيجية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ على هذا النحو، على الرغم من تضمين المنطقة في المراجعة المتكاملة لسياسات لندن.
وذكرت مجلة "ذي ديبلومات"، المتخصصة في شئون منطقة آسيا والمحيطين الهندي والهادئ، أن العلاقة الاقتصادية بين المنطقة وازدهار أوروبا جلية، لكن فيما يتعلق بالأمن، فإن هذا الأمر بين أوروبا والمنطقة أقل وضوحًا، إذ يأتي الأمن الإقليمي في آسيا في المرتبة الرابعة لأولويات أوروبا الأمنية على أقصى تقدير، على الرغم من احتواء المنطقة على بعض الصراعات التي قد تكون ذات عواقب وخيمة.
وأشارت المجلة في هذا الشأن، إلى أن السياسة الأوروبية حيال آسيا مقيدة في الغالب بمزيج من العوامل كبُعد المسافة الجغرافية، ومحدودية إمكانيات القدرة على إظهار النفوذ، والأهداف غير الواضحة والأولويات الأخرى الأكثر إلحاحا لأوروبا.
فلفترة طويلة قبل بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، كان الجدل دائرا بين المراقبين حول التهديدات المباشرة والوجودية لأوروبا والقريبة من حدود القارة العجوز، حيث رأى هؤلاء أن موسكو ودول الجوار المباشرة، وليست بكين أو منطقة المحيطين الهندي والهادئ البعيدة، ينبغي أن تكون هي الشغل الاستراتيجي والرئيسي الشاغل لأوروبا، وقد تعززت وجهة النظر هذه حاليا، على حد قول مجلة "ذd ديبلومات".
وأشارت المجلة إلى أن إعادة ترتيب أولويات أوروبا سيؤثر، حتما الآن، على تخصيص الموارد المتعلقة بمواءمة الاستثمار مع التهديدات الأمنية الملموسة، ففي بريطانيا، بدأ البعض في التشكيك في عمليات الانتشار في منطقة الإندو ـ باسيفيك.
وأضافت أن هذا الأمر يبدو صحيحا فالأوروبيون مضطرون حاليا للاهتمام بالجغرافيا السياسية وتوجيه الاستثمارات للنواحي الدفاعية في آن واحد، فألمانيا، على سبيل المثال، تعتزم حاليا إنفاق 100 مليار يورو على تحديث جيشها، كما تعهدت، من الآن فصاعدا، بإنفاق 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، لكن مثل هذه الاستثمارات الأوروبية ستخصص بالكامل للوفاء بالتزامات الناتو في أوروبا.
وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، تمول بروكسل حاليا توفير أسلحة فتاكة لأوكرانيا للمرة الأولى في تاريخ الاتحاد. وتجري هذه العملية من خلال ما يُعرف باسم "مرفق السلام الأوروبي (EPF)"، وهو أداة تمويل تهدف، في مجمل الأمر، إلى تمويل برامج بناء القدرات والمهام البحرية على الصعيد العالمي.
وأوضحت "ذي ديبلومات" أن هذا المرفق الأوروبي تم استنزافه في عمليات التمويل العسكري لأوكرانيا، مضيفا أن هذا الأمر ينطبق أيضا على "البوابة العالمية" التي ينوي الاتحاد الأوروبي من خلالها الاستثمار في برامج البنية التحتية على مستوى العالم، بما في ذلك منطقة المحيطين الهندي والهادي.
وعلى ضوء الأموال الضخمة اللازمة لإعادة بناء أوكرانيا في فترة ما بعد الحرب، والتي لن تأتي من أوكرانيا وإنما ستتولد حتما من المساعدات الخارجية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، فإن الحرب في أوكرانيا ستحد حتما من القدرات الأوروبية في أماكن أخرى. وسيكون من غير الواقعي إلى حد كبير توقع إمكانية تنفيذ أجندة منطقة الإندو ـ باسيفيك، التي لم يكن تمويلها واضحا بالفعل، تنفيذا كاملا.
وترى مجلة "ذي ديبلومات" أنه مع ذلك، فإن حتمية الانخراط في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وخاصة في القضايا الاقتصادية ومسائل التنمية المستدامة، لم تتلاشى، ومازالت هناك فرص ذات مغزى للمساهمات الأوروبية في تحقيق الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لكنها يجب أن تكون محدودة ودقيقة.
وأشارت المجلة إلى أنه بينما تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحقيق الهدف المهم المتمثل في الحفاظ على توازن القوى في آسيا، يتعين على الاتحاد الأوروبي ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) العمل على الحفاظ على حوار مؤسسي شامل بين الأطراف المعنية المتعددة. كما يمكن للاتحاد الأوروبي وآسيان السعي إلى توفير طريقة بديلة لتصور العلاقات الإقليمية بما يتجاوز القيود المزدوجة للمنافسة بين الصين والولايات المتحدة، بحيث لا ينظر إلى كلا الكيانين (الاتحاد الأوروبي وآسيان) على أنهما بطبيعتهما مناهضين للصين أو مؤيدين لها.
وأوضحت المجلة أنه بدلا من المساهمة في مزيد من الاستقطاب بالمنطقة، يتعين على الاتحاد الأوروبي القيام بدور محوري يدعم البنية متعددة الأطراف لمجموعة آسيان من أجل توفير منصة تمكن الأطراف الإقليمية الفاعلة من إدارة علاقاتهم.
ولفتت إلى أن الاتحاد الأوروبي فشل في استغلال نقاط قوته أثناء محاولته فعل كل شئ دفعة واحدة، موضحة أن التعاون الفعال للاتحاد الأوروبي يجب أن يعتمد على المشاريع ويستهدف تعاونا محددا غير عسكري، حتى يكون قادرا على إحداث فارق بسيط في الديناميكيات الثنائية في منطقة المحيطين الهندي والهادي.
ونبهت إلى أن بروكسل تتمتع بقوة سوقية وتنظيمية كبرى بالإضافة إلى الخبرة في التنمية المستدامة للبنية التحتية؛ لذلك ينبغي عليها استغلال هذه الأمور في الاندماج ضمن الأطر الإقليمية الحالية، بما في ذلك الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، والعمل من أجل التوصل لاتفاق تجارة حرة مع الشركاء في المنطقة، أيا كان التحدي المرهق حاليا.
وترى "ذي ديبلومات" أنه على القدر ذاته من الأهمية، تأتي العديد من عناصر الصفقة الخضراء الأوروبية – وهي استراتيجية شاملة نحو حياد الاحتباس الحراري – القابلة للتطبيق مباشرة على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مضيفة أنه يمكن أيضا النظر إلى التراكم السريع الحالي للتحديات على أنه فرصة لجعل الاقتصاد العالمي ملائما للمستقبل، وأن يكون أكثر تنوعا واخضرارا (صديقا للبيئة).
ووفقا للمجلة، يتعين على الاتحاد الأوروبي إدراك أن الافتقار إلى التركيز، وغموض الأهداف، والتمويل غير الواضح يجعل استراتيجية الربط بين الاتحاد الأوروبي وآسيا لعام 2018 عرضة للفشل منذ البداية. وعلى وجه الخصوص في ضوء الفجوات التمويلية الحادة في أوروبا ما بعد الحرب الأوكرانية.
وخلصت المجلة إلى أنه إذا استمع واضعو الاستراتيجيات في أوروبا إلى حكومات آسيان، فإنهم سيعلمون العديد من المجالات المثيرة للاهتمام وذات المغزى التي يمكن لأوروبا أن تساهم فيها. وعلى الرغم من أن الأمن سيلعب دورا دائما، إلا أن هناك مجالا أكبر بكثير لوضع أجندة للتنمية الاقتصادية والمستدامة.
وأشارت إلى أنه من شأن مثل هذا الترتيب للأولويات الأوروبية لن ينجم عنه أي خسارة في كلا الطرفين، بل سيكمل ويوازن الآليات الأمنية، مثل تحالف "كواد" (الذي يضم اليابان والولايات المتحدة وأستراليا والهند) ومبادرة "أوكوس" (الاتفاقية الأمنية الثلاثية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة).