تكريم شعبى لـ«محمد صلاح»
تكتسب مصر قيمتها فى محيطها بفعل عوامل كثيرة، منها تاريخها وثقلها السكانى وموقعها الفريد وقوتها العسكرية الكبيرة ونفوذها السياسى فى ملفات هامة، مثل القضية الفلسطينية والشأن الليبى وملف أمن الخليج الذى تتعهد القوة المصرية بحمايته من أى اعتداء يقع عليه تلبية لأواصر الأخوة والواجب القومى لمصر وهذه كلها أوراق فى ملف القوة المصرية.. لا ينكرها إلا جاهل أو مكابر.. ولكن الحقيقة أن كل عوامل القوة «الصلبة» لمصر رغم رسوخها وتجددها وزيادة بعضها فى السنوات السبع الأخيرة لا تكفى لتجعل مصر هى مصر.. ذلك أن ركائز القوة الناعمة لمصر لا تقل أهمية ولا ثراءً ولا قوة عن ركائز القوة الصلبة لها إن لم تكن تزيد عنها تأثيرًا فى قلوب وأذهان الكثيرين من العرب وكافة شعوب العالم الأخرى، ومن هذه العوامل التاريخ المصرى.. فالتاريخ ليس هو الآثار التى تسبح فوقها بيوت الصعيد والدلتا وعين شمس والمطرية وغيرها.. ونكتشف المزيد منها كل يوم.. لكن الحضارة هى جينات يتوارثها أبناء هذا الشعب جيلًا بعد جيل، ويومًا بعد يوم، تجعلهم يملكون القدرة على تطويع الظروف الصعبة وتحديها وترويضها وبناء نجاحهم رغم تحديات الواقع وقلة الإمكانات.. تمامًا كما روضوا نهر النيل منذ آلاف السنين وبنوا على ضفافه حضارة ندر أن يوجد مثلها بين حضارات العالم.. هذه الجينات الحضارية والقدرة على تحدى الصعاب هى التى أنجبت لنا شخصيات مصرية عالمية من نجيب محفوظ الذى فقد فرصته فى بعثة تعليمية فأصبح من أهم أدباء العالم.. لمجدى يعقوب الذى لم يعين معيدًا فأصبح أهم جراح قلب فى العالم.. إلى أحمد زويل الذى حول نفسه من خريج عادى لعالم حاصل على نوبل بذكائه واجتهاده.. إلى محمد صلاح الشاب البسيط الذى حولته جينات الحضارة التى تسرى فى عروقه إلى واحد من أهم لاعبى العالم، من خلال الدأب والتمرين وتطوير الذات وقوة الملاحظة وحسن التعبير، وعدم جرح مشاعر الآخرين وعدم الانجرار لمشاعر الحقد والغيرة والسواد النفسى، وهى كلها صفات يتمتع بها معظم المصريين وتنعكس أكثر ما تنعكس على محمد صلاح ابن مصر البار ومعشوق المصريين والعرب.. الذى يملك من الثروة ما لا يملكه غيره، وهى هنا ليست النقود ولكن حب الناس الحقيقى وغير المشترى بالمال.. إن «مصرية» محمد صلاح وتألقه يثيران بلا شك غيرة المتطرفين والحاقدين ومعدومى المواهب من أصناف شتى.. رغم أنه يسير فى طريقه مثل قطار كهربائى سريع ولا يلتفت لصغار النفوس، ولولا هذا لما كان حقق كل ما حققه ولا ما سيحققه فى المستقبل بإذن الله.. إن ما لفت نظرى أن بعض صغار النفوس على وسائل التواصل أخذوا فى الشماتة فى محمد صلاح فخر مصر وفخر الكرة فى العالم، تعليقًا على خسارة فريقه لبطولة دورى أوروبا.. رغم أن بعضهم لا يصلح للفوز فى دورى يقام أمام منزله أو بين سكان العمارة التى يسكن فيها.. لكنها عادة الحاقدين والتافهين وصغار النفوس من أنصار الإرهاب وحلفائهم والإخوان وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.. والحقيقة أننى أستغل هذه الفرصة لأدعو اتحاد الكرة المصرى أو رابطة الأندية لتنظيم كرنفال شعبى فى استاد القاهرة الدولى يكرم فيه المصريون محمد صلاح ويسلمونه قلادة يتم تصنيعها خصيصًا لتكريمه، فلنسمها مثلًا قلادة الهرم الذهبى ويهتف مائة ألف مصرى باسمه وهو يتسلمها ثم ينصرف بعدها عائدًا إلى ليفربول ليعاود تدريباته.. إن هذا هو أقل ما يمكن تقديمه لهذا الفتى الذهبى الذى ضرب مثلًا فى تحدى الصعاب لملايين الشباب المصريين وغير حياة الآلاف منهم، وما زالت أمامه الفرصة لتغيير حياة الملايين.
عظيم الاحترام لمحمد صلاح وعظيم الاحتقار لكل إرهابى شامت ذى قلب أسود ومشاعر صفراء وروح تأكلها الغيرة.. شاهت الوجوه.