نظرة مختلفة لـ«المستريحين»
«أدعو الدولة المصرية للاستفادة من موهبة (المستريحين) فى إدارة الأموال وتوظيفها والتشارك معهم».. ما قلته فى العبارة السابقة قد يبدو لك ضربًا من ضروب الكلام غير المسئول أو الهادف للإثارة... إلخ.
لكنى أقول لك إنه ليس سوى تنويع على فكرة أطلقها الرئيس السيسى نفسه.. كيف هذا؟ أنا أقول لك سيادة الرئيس أوصى بدراسة حالات كل المُصنعين الذين يعملون دون رخص قانونية «مصانع بير السلم»، ودمجهم فى الاقتصاد الرسمى وتقديم تمويلات لهم مع إعفاءات ضريبية فى الأعوام الأولى.. والهدف طبعًا هو الاستفادة من قدرتهم على التصنيع بقدرات قليلة وفى أماكن غير مؤهلة ودون تمويلات كبيرة.. ومع ذلك فإن لديهم القدرة على تحقيق النجاح.. وبالتالى لا بد من الاستفادة منهم لأنهم بعد خمس سنوات سيدفعون الضرائب وستضاف حصيلة إنتاجهم للناتج القومى، وسيُشغلون المزيد من العمال إذا نمت مشاريعهم بشكل مخطط ومنظم وتم تمويلها من البنوك.. الآن.. أنا أدعو إلى تنفيذ نفس الفكرة فى مجال التجارة والاستثمار والمجالات المختلفة التى يعمل فيها مَن تعارفنا على تسميتهم إعلاميًا بـ«المستريحين»، وهم حالات مختلفة ومتنوعة وكثيرة جدًا، ولكى نصل إلى مضمون الفكرة يجب أن نفرق بين نوعين من «المستريحين».. الأول ينطبق عليه وصف «نصاب» يبدأ الإعلان عن نشاطه وفى نيته خداع الناس والاستيلاء على نقودهم والهرب بها.. وهذا مصيره السجن لا محالة.. النوع الثانى هو شخص يحقق نجاحًا فى مجال تجارى ما.. ويفكر فى التوسع غير المدروس.. ويحصل على أموال من آخرين لتشغيلها فى نفس مجال تجارته.. ولأنه يتوسع بشكل غير مدروس، ولأنه غير متعلم رغم موهبته، ولأنه عشوائى وغير قانونى وينافس البنوك الرسمية، فإنه يتعثر.. أو يتم الإيقاع به.. هذا هو النوع الذى أدعو لدراسة حالته.. ودمج نشاطه فى الاقتصاد الرسمى.. كيف؟ من خلال شراكة مع إحدى جهات الاستثمار فى الدولة المصرية سنسميها مثلًا «شركة الاستثمار الذكى» تتولى دراسة حالات «موظفى الأموال» الجادين وتقدم لهم استشارات وتمويلات ودراسات جدوى وتطور لهم مشاريعهم وتعترف بميزتهم النوعية.. وهنا يظهر سؤال: وما هى ميزتهم النوعية؟.. الإجابة هى أنهم من الناس.. يتحدثون لغتهم.. وينالون ثقتهم.. مندوبون محليون للاستثمار.. لا يرتدون رابطة عنق على طريقة موظفى البنوك.. ولا يتحدثون بغطرسة مثل بعضهم.. والأهم أنهم موهوبون فى التجارة ولكن على الطريقة «البلدى» التى تحتاج للضبط والتنظيم والصقل، مما يتيح الاستفادة بمواهبهم والرقابة على أموال الناس لديهم وتوجيهها فى مجالات تفيد البلد.. هذه الفكرة التى قد تبدو غريبة هى تطوير لفكرة «المستثمر الذكى»، وهى فكرة يعرفها الغرب منذ عقود، وهى التى أدت لظهور شركات مثل «أبل» و«فيسبوك» و«أمازون».. إلخ.. المستثمر الذكى شخص لديه نقود وفهم فى مجال ما.. يسمع عن شركة صغيرة اسمها «أبل» تحتل جراجًا فى منزل أحد ملاكها.. فيذهب لها ويدرس حالتها ويضخ لها التمويل.. فتتحول مع الوقت إلى شركة كبيرة أو عملاقة ويحصد هو نتيجة مغامرته واستثماره كما يحصده شركاؤه من أصحاب الفكرة الأساسية للشركة.. هذا الدور يفترض أن تلعبه فى مصر البنوك.. لكنها كمؤسسات رسمية وغربية المنشأ فى الأساس لديها قيود روتينية وغطرسة وتعالٍ على المواطن العادى وعدم قدرة على المغامرة.. وبالتالى مطلوب شركة ذات طبيعة خاصة.. تدرس حالات من يطلق عليهم «المستريحين» وطبيعة أنشطتهم قبل تعثرهم، وتفرق بين النصابين منهم وبين الذين نجحوا ثم تعثروا، وأن نتوقف عن التعامل مع الذين نجحوا منهم كمنافسين للبنوك.. بل كشركاء محتملين.. وأن يتم تطويرهم كعناصر استثمارية موهوبة يتم توظيف موهبتها لصالح المجتمع كله ويتم دمج نشاطها فى الاقتصاد الرسمى.. «المستريحين» رواد أعمال ولكن على طريقتهم، وبعضهم يحتاج للدمج، لا للسجن، لأنه شخص لديه القدرة على العمل والإقناع والدعاية لمشروعه وتحقيق بعض المكاسب قبل أن يتعثر.. فى حين أن غيره يفضل النوم والجلوس على المقاهى ولوم الجميع على حاله السيئ.. هذه فكرة غير تقليدية بكل تأكيد.. ولكن ماذا فعلت لنا الأفكار التقليدية طوال الأربعين عامًا الماضية.. انظر حولك وستعرف.