«سينما مصر» المجهولة.. دليل «مواليد ٢٠٠٠» لمشاهدة أهم الأفلام المصرية
لا شك أن السينما المصرية هى السينما الأهم على مستوى الوطن العربى والشرق الأوسط، وأن ما قدمته مصر من أفلام، تستطيع منافسة أعظم الأفلام العالمية من حيث المقاييس الجمالية والفنية، يجعلها من أهم سينمات العالم أجمع، وأن قيمة الفنانين المصريين الذين تم تقديمهم عن طريق هذا اللون من الفن، سواء كانوا ممثلين أو مصورين أو مخرجين، أسماء لا يمكن تجاهلها، ولذلك نحن الآن فى أمسّ الحاجة إلى أن نكتشف من جديد عظمة الفنون التى قدمتها مصر طوال تاريخها، ومن بين هذه الفنون فن السينما.
وفى كتاب «سينما مصر»، للكاتب والناقد محمود عبدالشكور، الصادر عن منشورات مكتبة «تنمية»، يقول عبدالشكور فى مقدمة كتابه: «أصبح استدعاء فيلم ما بالضرورة استدعاءً لمعنى عصر وزمن، واكتشافًا جديدًا لمستودع من الثقافة والفن والاقتصاد والسياسة والتاريخ والعادات والتقاليد، بل واستدعاء للزمن نفسه عبر الصوت والصورة».
وهنا تصبح الحاجة إلى اكتشاف السينما المصرية من جديد ضرورة لمعرفة التطورات التى حدثت فى المجتمع، وكيف تغيّر المجتمع، ومن هذا المنطلق يأتى «عبدالشكور» فى كتابه بأكثر من خمسين فيلمًا ليحللها ويتحدث عنها، ويربط بين هذه الأفلام وحركة المجتمع وتغيّره على كل الأصعدة.
بداية من فيلم «غزل البنات» إنتاج ١٩٤٩، الذى يسرد وقائع وحال المجتمع فى فترة ما قبل ثورة يوليو ١٩٥٢، ومشكلة العدالة الاجتماعية أو التفاوت الطبقى، وصولًا إلى فيلم «جنينة الأسماك» إنتاج ٢٠٠٨، الذى يوضح حالة الخوف العميق الذى يسيطر على المجتمع فى تلك الفترة، ويجعل أبطال الفيلم فى انتظار الخلاص من كل هذا الخوف المحيط بهم، الخوف من المستقبل الذى لا يبشر والأيام ومن كل شىء، فالفيلم يحلل مجتمعًا أدت وقادت ظروفه المتردية إلى ثورة فى ٢٥ يناير ٢٠١١.
يستطيع قارئ الكتاب لا أن يكتشف فقط تاريخ السينما المصرية، بل أيضًا بعض الأفلام المجهولة التى لا يعرفها كثير من الناس، وتحديدًا مواليد ما بعد سنة ٢٠٠٠، الذين ولدوا فى مجتمع كل ما فيه يحارب السينما وهذا النوع من الفن، سواء الرقابة من جهة السلطة التى كانت تمنع أى فيلم لا يتوافق مع وجهة نظرها، وإذا أراد الصنّاع تقديم فيلم لنقد شىء فى الواقع فعليهم بالمواربة وعدم المباشرة، والرقابة من جهة المشايخ الذين أضافوا منذ منتصف السبعينيات مفاهيم جديدة على الفن وتحديدًا السينما فى مصر، مثل مفهوم «السينما النظيفة»، الذى وضع أعباء جديدة على صنّاع فن السينما، وأصبح بعض الفنانين يتم تكفيرهم على المنابر ووصف بعضهم بالعاهرات وأشياء أخرى.
ولكن يبقى أهم ما يمكن اكتشافه عن طريق الكتاب هو تلخيص جزء كبير من تاريخ مصر فى العصر الحديث، فالقارئ سيستطيع الوقوف أمام أبرز سيمات المجتمع فى العصر الملكى عن طريق تحليل أفلام مثل «غزل البنات» و«معلهش يا زهر» و«المليونير»، ويستطيع أيضًا قراءة ملخص عن فترة الستينيات وحكم الزعيم السابق جمال عبدالناصر عن طريق تحليل أفلام كثيرة، على رأسها من وجهة نظرى تحليل فيلم «عودة الابن الضال»، وهو واحد من أهم وأجمل أفلام المخرج العالمى يوسف شاهين، مرورًا ببعض الأفلام التى ستوضح فترة حكم الرئيسين السادات ومبارك ومدى التغيّر الكبير الذى حدث فى المجتمع والشارع والمواطن المصرى، وكل الأفكار والمفاهيم التى دخلت على المجتمع فغيّرت من تصرفاته وشكله.
ويضيف الكتاب إلى قارئه معلومات عن كيفية ملاحظة بعض النقاط الجمالية والفنية داخل الأفلام، التى تزيد حجم المتعة عند المشاهد، الذى سيلاحظ هذه الجماليات التى أشار إليها الكاتب فيما بعد.
فى المجمل هذا كتاب مهم للغاية لأنه يعيد اكتشاف أحد أعظم الفنون فى مصر وهو فن السينما، الذى كانت مصر رائدة فيه على المستوى العربى، وكانت تقدم من الأفلام ما ينافس أفلامًا عالمية مثل أفلام يوسف شاهين وداود عبدالسيد ومحمد خان وغيرهم من كبار الصنّاع والمخرجين، وتكمن أهمية هذا الكتاب تحديدًا فى هذه الفترة التى تنادى فيها الدولة بأهمية إعادة النظر فى دور الفن فى تشكيل وتغيير وجدان المجتمع وثقافته، فالدولة الآن تتخذ الفن سبيلًا للقضاء على الإرهاب، فالفن وحده هو القادر على كشف كل الأفكار التى يحاول أعداء الوطن زرعها فى عقل المجتمع، وبالتالى تصبح العودة لإدراك أهمية الفن واجبة وليست رفاهية.