توسيع قاعدة الحوار
تابعت مع غيرى دعوة الرئيس السيسى للحوار السياسى فى إفطار الأسرة المصرية قبل عيد الفطر بأيام قليلة.. الدعوة كانت منطقية ومتوقعة ممن يهتم بتحليل مسار الدولة المصرية منذ يونيو ٢٠١٤.. بعد التصدى للإرهاب وتجميد حالة السيولة السياسية وبعد خطوات كبيرة فى بناء المشاريع القومية كان الحوار خطوة متوقعة.. الإجراءات الاستثنائية الأمنية تم اتخاذها بحق فريقين.. الأول هو أعضاء الجماعة الإرهابية من المتورطين فى الإرهاب أو الداعين له.. والثانى نشطاء لا ينتمون للجماعة لكنهم يدعون للعنف أيضًا إما بحجة أن هذه هى الثورة أو بحجة أن التحالف مع الإخوان واجب أو ما إلى ذلك.. بكل تأكيد كل حالة لها تفاصيل مختلفة عن الأخرى، وبكل تأكيد إن مراجعة هذه الملفات كل فترة مطلوبة ومهمة.. والحبس ليس مطلوبًا لذاته وبذاته.. خاصة إذا كان مَن تم حبسه على ذمة مثل هذه القضايا قد غيّر موقفه أو أدرك أنه اتبع طريقة خاطئة أو اعتزم أن ينخرط فى أنشطة سياسية إصلاحية يغير فيها الواقع بالطرق القانونية أو حتى قرر اعتزال الشأن العام.. كل هذا وارد ومطلوب ويساهم فى تخفيف آلام أسر المحبوسين وأصدقائهم.. فضلًا عن أنه توجه رئيسى للدولة، ولولا هذا ما أعلن عنه رئيس الجمهورية ضمن حزمة قرارات مهمة وضرورية جدًا لعلاج آثار الأزمة الاقتصادية العالمية.. ولكن ما أخشاه أننا كعادتنا ننشغل بالشكل دون الجوهر، وبالتفاصيل عن الأمور الرئيسية وبالبحث عن دور شخصى بدلًا من محاولة خدمة المجتمع.. وأجتهد فأقول إن من يجب الحوار معه مباشرة هم المحبوسون أنفسهم على ذمة القضايا التى تصنف على أنها قضايا رأى أو تعبير أو عمل سياسى.. حيث على كل منهم أن يتفاوض تفاوضًا سياسيًا مباشرًا عبر محاميه مع لجنة فحص طلبات العفو، وهى لجنة موجودة فى كل النظم القانونية الغربية يمثُل أمامها المسجون بكل كرامة ليتحدث عن ظروف وملابسات حبسه وما غيرته فيه سنوات السجن وعمّا ينوى فعله بعد أن يخرج من السجن فى حياته المهنية، وأنا أرى أنه لا بد من جهد مكثف من لجنة العفو «وهى تختلف فى هذا الاقتراح عن اللجنة التى تم الإعلان عنها لأنها يجب أن تضم عناصر قانونية وسياسية أكثر».. هذه اللجنة ستقول إنها ستدرس ثلاثين حالة خلال شهر.. وبعد شهر يتم الإفراج عن الحالات التى أقرتها اللجنة.. ثم فى الشهر التالى يتم فحص ومقابلة ثلاثين حالة تالية، وهكذا.. ومن وجهة نظرى الأمر لا يحتاج وساطة.. فالأجهزة المختصة لم تستشر القيادات السياسية قبل أن تلقى القبض على من وجهت لهم تهمًا معينة.. وهى أيضًا ليست فى حاجة لوساطة معقدة كى تنظر حالاتهم وتفرج عن المحبوسين احتياطيًا منهم أو تتقدم بطلب لرئيس الجمهورية للعفو عمّن صدرت ضدهم أحكام بينهم.. إننى أدعو لحوار مباشر بين لجنة العفو وبين محامى المحبوسين والمحبوسين أنفسهم تنتج عنه قرارات إفراج فورية.. يومًا بعد يوم.. ما دام الحوار مع المحبوسين يؤدى إلى نتائج إيجابية.. والنتائج الإيجابية هى أن يعلن المسجون أنه لا يقف فى صف ممارسة العنف تحت أى مبرر وأن ينخرط فى الحياة السياسية بالطرق القانونية، سواء كان ليبراليًا أو يساريًا أو قوميًا أو صاحب أى اتجاه سياسى مدنى.
وإلى جانب الاتجاه إلى المباشرة لضمان سرعة الإنجاز والبعد عن التفاصيل المهلكة والجدل ذى الطابع السوفسطائى.. أستطيع أن أقول إننا جميعًا لم نلتفت لجملة القرارات التى أطلقها الرئيس فى حفل إفطار الأسرة المصرية، ومعظمها ذو طابع اقتصادى مهم، وانشغلنا كعادتنا دائمًا بما هو سياسى وما هو «حراق» وما هو «خلافى» رغم أن نجاتنا فى حسن تطبيق القرارات الاقتصادية التى أعلنها الرئيس.. إن من القرارات المهمة جدًا قرار الرئيس بضبط الدين العام والعمل على تخفيضه، وفى التفاصيل أنه تم تشكيل لجنة لفحص أى طلب تتقدم به الوزارات للحصول على قرض جديد.. مع مراعاة أن القروض التى تم الحصول عليها وجهت لمشاريع قومية كبرى ستؤتى ثمارها بعد أن تنتهى فى الوضع الاستثمارى والاقتصادى لمصر.. من القرارات التى لم يتم إيفاؤها حقها أيضًا قرار الرئيس بإصلاح البورصة المصرية وتكليف مجلس الوزراء بتشكيل لجنة لهذا الغرض.. والبورصة هى عصب الاقتصاد فى أى بلد، وهى التى تجعل المواطن شريكًا بمدخراته الصغيرة فى تطوير المصانع والشركات الناجحة، وهى التى تضمن لرواد الأعمال الموهوبين تمويلًا لشركاتهم بعيدًا عن علاقات الواسطة والمحسوبية التى سادت وسط الأعمال المصرى منذ التسعينيات حيث كانت القروض بالمليارات تمنح لرجال أعمال بعينهم بمكالمة تليفون.. هذا التوجه بتطوير البورصة يمكن إذا نجح أن يحل أزمة صغار المستثمرين الذين لا يعرفون أين يذهبون بمدخراتهم الصغيرة، ويمكن أن يعزز مفهوم فصل الإدارة عن الملكية، وله عشرات المنافع ولكن هذا القرار وهو من بنود الحوار الوطنى لم يجد أى صدى فى وسائل الإعلام.. نفس الأمر ينطبق على طرح عدد من الشركات المملوكة للدولة فى البورصة فى شهر سبتمبر المقبل.. وهى أيضًا فرصة لمن يريد أن يستثمر سواء على نطاق كبير أو على نطاق صغير.. نفس الأمر بالنسبة لدعوة القطاع الخاص للمشاركة بالاستثمار فى شركات القطاع العام وتطويرها، وهى خطوة لا غبار عليها ما دامت تتم بشفافية ووفق قواعد الحوكمة والسعر العادل.. إن كل هذه البنود مهمة جدًا للحوار ولا تقل أهمية إن لم تزد على الشق السياسى فى الحوار الوطنى.. الذى انجرت وسائل التواصل إليه مثلما ينجر شخص يسير فى طريقه إلى منطقة رمال متحركة.. حيث وجدنا مزايدات ومحاولات للرد على المزايدات بمزايدات بديلة.. ووجدنا أنفسنا ندخل فى دوائر من الجدل البيزنطى والشكلى، وهو جدل يشبه السؤال التاريخى العبثى حول «البيضة والكتكوت» وأيهما خلقه الله أولًا؟ وهذا ترف لا يليق بأمة تواجه مثل هذه التحديات.. لنبدأ بالعمل وليدخل المختصون فى حوار مباشر مع المحبوسين ولتوسع دائرة الحوار الوطنى لتشمل عشرات الشرفاء من علماء الاجتماع والسياسة والمثقفين ورجال الأعمال والقوى المختلفة كى يكون العمل بديلًا عن الكلام.. والله من وراء القصد.