هل تتساوى يدٌ سَيفُها كان لك بيدٍ سَيفُها أثكلك؟
صليت العيد، وسلمت وقبلت وهنأت من كان يقف إلى جوارك، الذى ظل طوال شهر رمضان يحدثك عن ضرورة عودة فتح المساجد، وإحياء سنة صلاة العيد فى الخلاء، وتقرأ ما يكتبه على مواقع التواصل الاجتماعى من حكم ومواعظ، ودعوات مضادة لكل ما تقوم به الدولة، أو تتخذه من قرارات.
تعرف ميوله، وقناعاته، وابتسامته، ولحيته القصيرة المشذبة، وعلامة الصلاة تتوسط جبهته من فرط «فركها» فى فرش المساجد والزوايا، وتظن فيه الود، وحسن الإيمان والخلق، ولكنك لا تعرف ما كان هو وتنظيمه يدبران فى غيبتك، ولا تعرف أحزان إحدى عشرة أمٍ غدرت بهن تلك اليد الآثمة التى انهالت قبل أيام من نهاية الشهر الكريم بالصفعات على وجه فتاة مصرية اضطرتها حاجتها إلى الدواء لدخول صيدليته ونصف ذراعها عريان، فاشتهتها نفسه الدنيئة، وأفسدت صيامه، ثم وقفت تلتقط معه الصور فى جلسة عرفية لا يقرها دين ولا قانون ولا أخلاق.. كان من الممكن أن يكون أخوك أو ابن عمك أو صديقك الأقرب واحدًا من هؤلاء الشهداء الذين نحتسبهم عند الله، ونبكيهم اليوم جميعًا، وكان من الممكن أن تكون تلك الفتاة التى تلقت الصفعات بلا ذنب لها، سوى فساد نفس الواقف خلف قناع الصيام، هى أختك أو ابنتك أو زوجتك.. وكان من الممكن أن يكون ذلك الذى احتضنته وسلمت عليه وقبلته بعد صلاة العيد، هو من فتح النيران باتجاه جنود يدافعون عن ممتلكات وطنهم وأمنه وحدوده.
أن تدير ظهرك لمن تظنه الصديق، أو الحبيب، فتأتيك طعنة الغدر منه دون غيره، هو مشهد كلاسيكى محفوظ، تكرر كثيرًا، وشاهدناه وخبرناه كثيرًا، لكنها الآن هى لحظة الحقيقة التى لا ينبغى أن نتجاهلها، أو نغض البصر عنها.. الحقيقة التى يجب أن ندركها، ونحذر منها، بل نتخذ تجاهها موقفًا حاسمًا وقاطعًا ونهائيًا ولا رجعة فيه.. نعرفهم جميعًا، ونعرف انتماءهم إلى ذلك التنظيم القذر، نقابلهم فى المساجد، والبيوت، وجلسات السمر فى ليل القرى، لكننا لا نعرف ما يضمرون خلف الأقنعة، وما يدبرون فى الغرف المظلمة، وما أدوارهم فيما نعيشه من أحزان، وكدر.
تقول إنه ليس منهم، ولم يحمل السلاح يومًا، لكنك لا تعرف أنه هو وأمثاله من يمولون هذه العمليات الإرهابية المجرمة، باشتراكاتهم الثابتة، وجولاتهم على القرى والمدارس، واعتقادهم الراسخ بلا قيمة الوطن، ولا معنى المواطنة.
هل تصدق أنه لم يمض أسبوع واحد على شهر رمضان بما فيه من مساحات لتصفية الجسد مما يخلفه العام من سموم حتى نصحو على هذه العملية الغادرة؟
أسبوع واحد على الشهر الذى تسمو خلاله الروح فوق كل مشهيات الحياة، ويخفت صوت الغرائز، ويغتسل فيه المسلم مما اقترفت يداه من ذنوب وآثام؟
أسبوع واحد على نهاية الشهر الذى تصوم فيه النفس عن كل سوء؟
فهل تعرف يا صديقى ما حدث، أو ما كان يحدث وأنت صائم، قائم تصلى، أو تستغفر الله، وتعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا؟
كانت مصر تحتفل بصلاة العيد فى الخلاء متخففة من ضغوط الوباء، والتنزه فى الحدائق والسينمات، بينما الكائن «الأحط» يدبر ويخطط لإفساد ما بنيناه على مدى سنوات.
كانت مصر والمسلمون فى جميع أنحاء العالم فى صيام وقيام، وأجواء روحانية، وكانوا هم يدبرون ويخططون للقتل باسم الله، وباسم الإسلام.. والله والإسلام منهم براء.
هل تصدق أنه لم يمض سوى أسبوع واحد على عرض الجزء الثالث من مسلسل «الاختيار»، بما تضمنه من مشاهد لجرائم التنظيم «الأقذر» على وجه الأرض، وما جاء به من كشف لما كانت قياداتهم البغيضة تخطط له، وتهدد به، وكيف تنظر إلى أفرادهم كدمى يسهل تحريكها، وحشدها، ومدها بالسلاح اللازم؟ وما تضمنه من تذكير بما قاموا به من إرهاب للجميع، فى سيناء وغيرها من أرض مصر، حتى ظنوا أنهم ملكوها، وتمكنوا منها، فكانت نهايتهم وعقابهم على ما اقترفت أيديهم فى حقها وحقنا؟
كان الأجدر بهم أن يراجعوا ما قاموا به، وأن يتوبوا عمَّا اقترفت أياديهم، ونفوس قياداتهم الخبيثة من جرائم وآثام، وأن يدركوا أنهم مجرد دمى تافهة يحركها «مكتب الإرشاد» أينما أراد، ووقتما يشاء، وأنهم مهما أوتوا من أموال وعتاد، لن يتمكنوا من مصر، ولا من شعبها المحب للدنيا والحياة، والمؤمن بعناية الله، وحفظه لأرضها، وناسها وشعبها الطيب الكريم الأصل.. كان الأجدر بهم النظر إلى وجوه أهلهم وأقاربهم، وعائلاتهم، ليدركوا حقيقة ما صاروا عليه، أو ما آلوا إليه، لكنه يبدو أن كل ذلك لم يكن كافيًا ليراجع الكائن «الإخوانى» نفسه، أو يسترد عقله المخطوف، أو يدرك حجم ما اقترفت جماعته من جرائم فى حق بلده، وأهله، وجيرانه، وفى حقه هو شخصيًا.
كان الأجدر به أن يدرك أن لمصر سيفها الذى لا ينام، ولا ينهزم، ولشعبها جيشًا يحميه، وأنه لن يترك ثأر أبنائنا دون رد، لكنه صار من الواضح الآن تمامًا أنهم مستمرون فى غيهم، وفساد نفوسهم، ولا حل لنا إلا باستئصال ذلك الورم الخبيث، واقتلاعه من جذوره، ويبدو أنه لا مفر من المواجهة العلنية، والصريحة السافرة، فى كل مكان، وعلى كل المستويات، فلم يعد من المقبول أن يظل ذلك «الكائن الأحط» فى الحياة بيننا.
صار من الواجب ألا يتستر أحد على أى كائن إخوانى، لا يصافحه، لا يتاجر معه، ولا يصاهره، ولا يسير فى طريق بجانبه.. هو والوباء سواء.
صار من الواجب أن نقف صفًا واحدًا خلف جيشنا فى معركته ومعركتنا ضد أعداء الحياة، وأن ندرك أن جيش مصر هو شعبها، وهو المنتصر بأمر الله، وفضله.. وأننا لن يهدأ لنا بال، ولن تكون لنا حياة إلا بالقضاء عليهم، واستئصالهم من جذورهم.
صار من الواجب أن نستحضر مقولة الشاعر الراحل أمل دنقل: «وهل تتساوى يد سيفها كان لك، بيد سيفها أثكلك؟»، وندرك أنه لم يعد هناك مجال للحياد واللا مبالاة، وعبثية السؤال عن أهمية ما نقوم به، ودورنا فى المعركة.