سرقة المسجد من المصلين
قرارات وزير الأوقاف بخصوص تنظيم العبادات فى المساجد أحدثت نوعًا من اللبس.. هذا اللبس اختلطت فيه دعايات الإخوان السياسية بمخاوف المصريين العادية.. هذا اللبس حسمه البيان الأخير لوزير الأوقاف الذى أوضح فيه أنه بناء على توجيهات الرئيس قرر جملة من القرارات بخصوص العبادات فى المساجد.. منها السماح بزيارة المقامات فى غير أوقات الصلاة وفتح الساحة الخارجية لمسجد الإمام الحسين للجميع، وعدم تقييد تواجد المصلين فى المساجد بأوقات معينة.. أريد أن أذهب لعمق القضية بعيدًا عن أداء وزير الأوقاف نفسه لأطرح السؤال هل تقف الدولة ضد إيمان الناس بالله؟ الإجابة بكل ثقة هى لا وألف لا.. الدولة المصرية الحديثة لم تفعل ذلك منذ تأسيسها على يد محمد على، وفى عصر الرئيس السيسى كانت اللمسة الخاصة أن الرئيس مسلم متدين.. يؤدى الفروض وله فهم روحى للدين، وله علاقة خاصة بأضرحة آل البيت فى مصر، وهو طرح فى مناسبات عديدة أنه يؤمن بحرية الجميع فى العبادة أو فى عدم العبادة حتى.. أنت حر ما لم تضر.. حتى الإخوان المسلمين الذين عادوا للإرهاب وقتلوا الشهداء قال الرئيس إن من يريد أن يعيش منهم فى حاله ولا يؤذى الآخرين هو حر ومرحب به ما دام يكف أذاه عن الناس.. ما هى رؤية الدولة إذن التى فشل وزير الأوقاف فى التعبير عنها؟ سأجتهد وأحاول أن أقول.. الدولة ضد سرقة المسجد والدين من جماعات الإسلام السياسى.. منذ ظهر حسن البنا وهو يسرق تديّن الناس ليحوله لرصيد جماعته من السلطة والثروة والإرهاب.. يذهب المسلم ليلبى عاطفته تجاه دينه وربه فيجد «صيادًا» فى انتظاره يقول له مثلًا «هل تعرف أن الإسلام هو دين الجماعة؟».. هل تعرف أننا لا بد أن نحمل السلاح دفاعًا عن الدين؟ هل تعرف أن العالم كله كافر ويتربص بالمسلمين وأننا لا بد أن نفجرهم ونقتلهم؟ هل تعرف أن الرسول «صلى الله عليه وسلم» أسس تنظيمًا سريًا فى بدء الدعوة وأن حسن البنا أعاد إحياء هذا التنظيم فى القرن العشرين؟ وأنك لا بد أن تنضم له؟.. كل هذه الأكاذيب وعشرات غيرها تقال من أعضاء فى الإخوان وغير الإخوان لتجنيد الشباب داخل المساجد.. إنها محاولة لسرقة المسجد لحساب الإخوان ولحساب الإرهاب.. فى تحقيقات قضية الجهاد الكبرى ١٩٨١ عقب اغتيال الرئيس السادات ورد اسم داعية شهير اسمه إبراهيم عزت.. كان متهمًا فى تنظيم سيد قطب وخرج بعد ثلاث سنوات.. أعلن أنه هجر الإخوان وأسس جماعة «التبليغ والدعوة».. كان حلو اللسان وله أسلوب عاطفى ولا يتحدث أبدًا فى السياسة.. فى التحقيقات قال قيادات الجهاد إنه كان يتعاون معهم.. كان يقول لهم «أنا أجيب لكم الشباب من الشارع.. والباقى عليكم أنتم».. والمعنى واضح.. كان يجتذب الناس الذين يحبون دينهم والإرهابيون يقومون بتكملة الطريق معهم.. إبراهيم عزت هذا كان أستاذ داعية شهير جدًا هو «عمرو خالد» وهو أيضًا إخوانى.. كان ينكر أن له علاقة بالإخوان وبالسياسة من الأساس.. ثم اتضح أن له علاقة بكل شىء وبالأدلة القاطعة.. ما أريد أن أقوله إن الدولة كانت تحاول حماية المساجد من استخدام المتطرفين لها كمراكز للتجنيد والاستقطاب وغسل الأدمغة.. وهى وقائع تمتلئ بها ملفات قضايا الإرهاب كلها.. بلا استثناء واحد تقريبًا.. كل من درسوا مصر منذ السبعينيات قالوا إن المأساة بدأت فى ذلك الوقت.. أطلق الرئيس السادات يد الإسلاميين وكبل أيدى الآخرين.. بنيت آلاف المساجد ولم يُبن مركز شباب ولا قصر ثقافة ولا مقر حزب واحد.. والنتيجة أن المسجد تحول من مؤسسة دينية روحية لمؤسسة سياسية وثقافية ورياضية وطبية وتعليمية أيضًا.. وكان كل ذلك بتمويل وتخطيط الإخوان ومن يقف وراءهم.. أى شاب فى حى شعبى أو قرية عندما يغادر الطفولة يفكر فى أن يخرج من ضيق المنزل لبراح المجتمع.. لم يكن يجد أمامه سوى المسجد وبداخله الإخوان والجهاد والسلفيون والتبليغ والشوقيون... إلخ، وكلهم روافد تصب فى نهر واحد هو اختطاف الدين.. لكن الحقيقة أن الدين بالنسبة للمصريين هو علاقة خاصة مع الله.. وأنه طاقة روحية جبارة.. وإجابة على سؤال الوجود.. الحل فى أن نؤمن جميعًا بـ«الإيمان الفردى».. علاقتك مع ربك واسعة بوسع رحمة الله.. وكبيرة بحجم الكون.. أنت لست فى حاجة لوسيط بينك وبين الله سواء مرشد جماعة أو أمير أو مسئول أو رجل دين.. لدينا علماء دين لا رجال دين.. يمكن أن تسألهم أو تسأل نفسك.. أنت حر تمامًا.. هذه هى الوصفة التى طبقها آخرون ونجحت وأظن أن الدولة تؤمن بها.. لا حجر على علاقة المصريين بالمساجد.. لكن هناك وعيًا بمن يريدون سرقة تديّن المصريين وتحويله لرصيد فى حسابهم السياسى وبين الاثنين فارق كبير.