والله لسه بدرى يا شهر الصيام
انقضت أو تكاد أيام وليالي شهر رمضان المبارك، كل عام وأنتم ومصرنا العزيزة بخير وعز وسعادة.
فعلها معنا الشهر الكريم كما هي عادته في كل عام، إذ يأتي بعد طول انتظار ويمضي سريعًا دون أن ترتوي الأنفس والأرواح من عذب نسماته. شهر يمر على الأمة كما يمضي اليوم من أعمارنا. لا تكاد تشبع الأرواح من فيض عطايا الله فيه . وهكذا هي سنة الكون .. بداية فنهاية وبينهما عمر طال أو قصر هو إلى زوال ولا يبقى من أثر سوى ما قدم المرء من زاد ينفعه يوم الحساب، فتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
وقبل أن يمضي الشهر ترك لنا رسائل طيبة لا يمكن أن نتجاهلها على المستوى الوطني. منها ما أكد عليه السيد رئيس الجمهورية بنشاطه المستمر والواضح في أيام وليالي شهر رمضان من أنه شهر العمل لا الكسل. النشاط الرئاسي المكثف أعطى إشارة واضحة إلى عامة المواطنين تؤكد أن هذا الشهر ليس شهرًا للتكاسل أو النوم أو الخلود إلى الراحة، كما يفعل معظمنا للأسف الشديد. فجدول الرئيس على مدار أيام وليالي الشهر ازدحم وتنوعت نشاطات مؤسسة الرئاسة، وهو في ذلك يتحرك صباحًا ومساءً في القاهرة وخارجها. فقد شهد هذا الشهر مثلًا لقاءات كثيرة واحتفالات رسمية التقى فيها الرئيس بأطياف كثيرة ممثلة للشعب المصري، وهي لقاءات ود وسياسة في ذات الوقت، كما لم تخل من اللمسات الإنسانية الذكية واللماحة التي يرسل بها إلى المجتمع كله. كأن يشاركه مائدة إفطار العائلة المصرية اثنان من عامة الشعب وليس كبار المسئولين ولا حتى رجال الأعمال. كما فتح اللقاء أفقًا جديدًا في الحياة السياسية وخططًا للتوافق الاجتماعي، لا نشك أنها ستنال حظها من التنفيذ قريبًا. فقد اعتدنا معه أن ما يقوله يلتزم به، وما يعد بتحقيقه فهو متحقق إن شاء الله، كما هي عادة أهل الوفاء.
كما سعد المصريون بأن يكون لقاء العائلة المصرية على حفل الإفطار لكل ممثلي الشعب المصري من مؤيدين ومن رموز المعارضة كذلك. ولكنها المعارضة التي ترتكز على أسس وطنية تستهدف البناء لا الهدم، حتى وإن اختلف منهجها مع المنهج الذي يراه النظام حاليًا. فما دامت مصلحة الوطن هي الهدف الذي ينشده الجميع فلا بأس بالاختلاف الذي هو سنة الحياة .
مضى رمضان هذا العام وقد تخففنا كثيرًا من قيود وحظر اجتماعي فرضته علينا جائحة كورونا ، وأصبحنا نادرًا ما نسمع عن حالات وفيات جراء الوباء، فازدحمت شوارع المحروسة بأهلها وضيوفها وعشاق ليلها. وتلك أحسبها رسائل طمأنة كفيلة باستعادة عشاق مصر من السياح ، وخاصة من الإخوة العرب، ودعوة مفتوحة أن مصر الآمنة تنتظر عودتكم بعد أن برات الإنسانية أو تكاد من خطر هدد البشر جميعًا وفي نفحة أخرى من نفحات شهر رمضان فقد عادت معه بيوت الله لتستقبل ضيوف الرحمن من عمار المساجد، حتى إن المساجد فتحت أبوابها في نهاية الشهر لاستقبال المصلين في صلاة التهجد.
ولأن رمضان كريم فعلًا، فقد تجاوز المصريون أزمة اقتصادية عاصفة غلفت الأجواء قبيل بدء الشهر الفضيل. ولعلمنا بما تتكبده الأسرة المصرية من مصروفات وأعباء مالية إضافية خلال الشهر جراء الالتزامات الرمضانية والعزومات العائلية، فقد خشينا كغيرنا من ألا تفي جيوبنا بكافة التزاماتنا، ولكن لأنه شهر الكرم فعلًا، فقد مر الشهر ونحن في فيض من نعم المولى عز وجل.
أما وقد كاد الشهر أن ينقضي فنحن نودعه داعين الله سبحانه وتعالى أن يعيده علينا وعلى أمتنا أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة ومصرنا في وحدة ونصر وفي حفظ من الله ومنعة وعزة. وندعوه سبحانه أن يعيد إلينا رمضان وقد تبدلت أحوالنا إلى أحسن الأحوال، مرددين: لا أوحش الله منك يا شهر الصيام والقيام والنصر والبركات...وكل عام وأنتم بخير.