إرهابيون وعلمانيون.. وبينهما «الأزهر» متفقٌ عليه
لم تمضِ ساعات على نشر ما كتبته بخصوص الضجة التى أحدثها بعض المتحدثين باسم العلمانية المصرية، ودعاوى التنوير، ردًا على بيان «الأزهر الشريف» بخصوص بعض الأعمال الفنية، حتى توالت عشرات طلبات الصداقة والمتابعة لصفحتى على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، على أن ما لفت نظرى فى معظمها أنها تأتى من صفحات سلفية، أو لمنتسبين إلى الأزهر الشريف، طلاب أو أساتذة، أو متشددين ودعاة من منازلهم.
والحقيقة التى ربما تصدم هؤلاء هى أننى لم أقبل معظمها، ولم أتفاعل معها، لا لشىء إلا لأننى أعرف جيدًا أننى ربما كنت آخر شخص قد يرغبون فى متابعة ما يكتب أو ينشر على صفحات التواصل الاجتماعى، فلست ذلك الشخص الذى يظنونه، لست أزهريًا، ولا من المتخصصين أو المشتغلين والمشغولين بعلوم الدين، أو ممن يتحرون رأى الدين فى كل صغيرة وكبيرة من شئون حياتهم، كما أننى لم أكن يومًا من الباحثين عن المتابعة، أو ممن يدلون بدلوهم فى كل ما يحدث من حولنا، أو يحركهم «الترند».
لا تشغلنى مثل هذه الأمور، ولا حاجة بى إليها، بل ربما كنت مجرد شخص اعتيادى، يخطئ كثيرًا، ويتعثر كثيرًا، ويحب الجمال والانفتاح على الحياة كثيرًا كثيرًا كثيرًا.. والأكثر ترجيحًا أننى ربما كنت أقرب إلى معسكر العلمانية والتنوير وتجديد الخطاب أكثر من أى فريق آخر، رغم تحفظاتى، ورفضى هواة ومحترفى «الجعير»، وربما كان ذلك هو السبب الأول فى رفضى هجومهم الأحمق على ذلك البيان، وكل بيان أو تصريح يصدر عن مشيخة الأزهر الشريف.. فما أعرفه أننا نشهد منذ سنوات فصول معركة صفرية حامية بين دعاة التنوير وتجديد الخطاب الدينى، وبين دعاة التشدد والتكفير والإرهاب، لن يرتاح أحدهما أو يهدأ له بال إلا بالقضاء تمامًا على الطرف الآخر، وفى سبيل ذلك، يستخدم كلاهما كل ما يستطيع أو تصل يداه إليه من أسلحة وحجج وبراهين لإخراس الطرف الآخر، باعتباره من بديهات تلك النوعية من المعارك التى لا تنتهى إلا بالقضاء تمامًا على أحد طرفيها.
على أن الملفت والمثير للدهشة أن طرفى هذه المعركة لم يتفقا على شىء، مثلما يتفقان على معاداة مشيخة الأزهر الشريف، وكراهية كل ما يصدر عنها، والبحث بتفانٍ عجيب عن أى أسباب لإدانتها، واتهامها بكل ما يمكن لك أن تسمع من اتهامات، فيسارعان إلى تفكيك كل ما يصدر عنها، وتفنيده، ومحاولة الرد عليه، والتقليل منه. لكنها، ويا سبحان الله، تخرج منتصرة من كل ما يمر بها، وتمر به من معارك.. يجاهدان فى محاولات مستميتة للتقليل من منجزها، والحط من شأنها، فلا يفلحان، وأغلب الظن أنهما لن يفلحا، وأنه أمر لن يتمكنا منه مهما أوتيا من علم، أو أسباب.
وما أعرفه أنك فى معركة التنوير لست فى عداوة مع أحد أكثر من دعاة الفتنة والظلام، من الإرهابيين والقتلة باسم الدين، وعندما يأتيك رأى من مؤسسة دينية رشيدة وراسخة مثل مشيخة الأزهر الشريف، ويقترب من أهدافك، وتطلعاتك، تحتفى به، وتنتصر له، وإن كان لديك ما تبنى به عليه تسارع إلى ذلك البناء، دون وجل أو تردد، أما أن تتصيد كلمة هنا، وعبارة هناك، فتلك هى الحماقة، والغباء بعينه.. وهو ما يتكرر كثيرًا فى الفترة الأخيرة، دون وعى أو إدراك لحقيقة الظرف التاريخى الذى تمر به البلاد.
وأغلب الظن أن دعاة «الجعير باسم التنوير» لا يدركون أنه من حسن الطالع، طالعهم وطالعنا، أن يكون على رأس مشيخة الأزهر الشريف رجل مثل ذلك الرجل المستنير، متزن العقل، طيب الروح والمعشر، الدكتور أحمد الطيب.. فليس عليهم سوى الأخذ بما يقول من آراء وفتاوى تحب الحياة، وتنصر ثوابتها، وتوفق بينها وبين ثوابت الدين، فتزعج دعاة القتل والظلام والإرهاب، وتقض مضاجعهم، وتحبط مخططاتهم.
ليس على محبى الحياة والنور، ودعاة التجديد والتطوير، إذا أرادوا الانتصار فى معركة البقاء، سوى الأخذ بكل ما يقول ذلك الرجل الطيب، والاحتفاء به، والبناء عليه، وليس من صالحهم، ولا صالحنا، محاولة النيل منه، والاتفاق عليه مع منظرى الإرهاب والقتل باسم الدين، أولئك الذين يختلفون معهم فى كل شىء، ويحاربونهم فى كل أرض.. لكنهم عندما يأتون إلى مشيخة الأزهر تجدهم وقد اتفقوا على قلب رجل واحد.
اختلف دعاة الإرهاب ومنظرو العلمانية وتجديد الخطاب الدينى فى كل شىء، لكنهما اتفقا على محاربة «الأزهر» ورجاله، ومشيخته، دون أن يدرك أى منهما أنه فى اتفاق طرفى النقيض دليلٌ قاطعٌ على فسادهما معًا.