المسرح المدرسى.. ضرورة تربوية لا رفاهية
شهدت السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة فى استخدام برامج الفنون من قِبل الشركات فى تدريب الموظفين وإحداث تطور تنظيمى، ففى الولايات المتحدة وحدها، عكفت ٤٠٠ شركة من أصل ٥٠٠ شركة على استخدام نظام التدريب القائم على الفنون فى ورش عمل تشاركية، وبرامج تدريبية قائمة على المهارات، والاستشارات العملية مع وحدات الأعمال، والتدريب الفردى والجماعى، فإذا أدركت أكثر المؤسسات جفافًا-المؤسسات الاقتصادية- أهمية الفنون فى تطوير الوعى والمهارات الإبداعية، فما بالك بالمؤسسات التعليمية.
لقد نشأ المسرح فى بداياته تلبية لاحتياج الإنسان الفطرى إلى المحاكاة منذ الطفولة، ونستطيع أن نلاحظ ذلك فى إسقاط الطفل لشخصيته على ألعابه ومحادثته لكائنات وهمية، ومن هنا فإن الاستعانة بالدراما فى التعليم هى أقرب إلى فطرة الطفل، والفن عمومًا والمسرح على وجه الخصوص إحدى أهم استراتيجيات التعليم والتعلم.. كما أن دوره التربوى يفوق ذلك، حيث نستطيع عبر الدراما تنشئة وتعديل السلوك، كما نستطيع إكساب الطفل العديد من القيم.
والتلازم هنا بين التثقيف والمتعة هو نقطة جوهرية جدًا، حيث إن عناصر الجذب والإمتاع السلبية التى تحيط بأطفالنا عبر الواقع الافتراضى والفعلى كثيرة وأخطارها داهمة، وعلينا أن نعمل على طرح بدائل موازية وجاذبة.
الدراما الابتكارية ودمج المسرح فى العملية التعليمية والتربوية.
الدراما، كلعبة، هى أحد أهم الفنون التى عن طريق ممارستها ينمو الأطفال وينضجون، وتنمو قدراتهم على الابتكار، سواء كان الابتكار ابتكارًا خالصًا- حين يرتجل الطفل قصة أو مشهدًا أو صورة- أو ابتكارًا مما هو قديم، كإعادة الحكى أو تقديم حكاية رواها لهم المدرس، وللدراما دور كبير فى تطوير شخصية الطالب، فالدراما الابتكارية هى التى يقوم بها الطالب بذاته «تمثيل- ارتجال- تصميم حركة ومناظر وملابس» دونما نص مكتوب مسبقًا وبمساعدة مدرس محفز أو منشط لعملية الإبداع.
إن اللعب أساسى للإنسان، والأطفال ينمون ويتعلمون عن طريق اللعب، مثلما يقول أ. ف النجتون فى كتاب الدراما والتعليم، حيث لا يجب علينا ألا نقلل من أهمية المتعة ودورها، وإدخال هذا النوع من الدراما فى الفصول المدرسية يمكن أن يكون لأغراض تعليمية أو تربوية، وهو مفيد لنمو ونضج الأطفال، ويقوم على تطبيقه متخصصون فى المسرح أو مدرسون بالاستعانة بالفنانين المختصين، ويمكن أن يتم ذلك بالتنسيق بين وزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم.
وهناك العديد من الفنانين أصحاب المشاريع المعنية بدمج الفنون فى العملية التعليمية: مشروع «مسرح الجرن» للمخرج الكبير أحمد إسماعيل، مشروع «المسرح فى الفصل» للمخرج طارق سعيد، مشروع مسرح «الحقيبة» للمخرج محمد فوزى، وجميعها تقدم حلولًا مبتكرة وجادة ولديها من المرونة ما يجعلها قابلة للممارسة والتفعيل خارج الفضاءات المسرحية. فلماذا لا نستعين بهم لإحياء المسرح المدرسى؟
إن بناء الطفل المصرى هو اللبنة الأساسية لبناء المجتمع المصرى وتعزيز منظومة قيمه الإيجابية الذى هو ضرورة من ضرورات التنمية المستدامة، لذا فمن الضرورى أن تكون لدينا سياسات ثقافية داعمة لتثقيفه وإمتاعه انطلاقًا من رؤية تتطلع لبناء وتنشئة جيل إيجابى قادر على الإسهام فى تنمية ذاته ومجتمعه ووطنه «طفل واع - قادر- منتم».