وجوه رمضان «5»
هانى رمزى
أعاد مسلسل «العائدون» اكتشاف الفنان هانى رمزى.. هانى فنان كبير ومثقف وله روح مصرية.. طيب القلب ويشبه المصرى العادى، دخل التمثيل من بوابة المسرح أبوالفنون ومدرسة التمثيل العظمى.. لعب هانى بطولة أفلام كوميدية مهمة وكان نجم شباك ناجحًا وما زالت فى ذاكرتنا أدوار مهمة له من دوره فى «وجهة نظر» إلى دوره فى «محامى خلع» إلى دوره الشهير «أبوالعربى» الذى تقمص فيه الشخصية البورسعيدية الفلكلورية.. قدمه «العائدون» فى دور ضابط مخابرات مصرى يدير محطة المخابرات فى تركيا، وأظن أن صفاته وملامحه المسالمة نقلت معنى يريد صناع المسلسل إيصاله عن هذا النوع من الرجال الذين يؤدون مهمات كبرى فى هدوء وبساطة تشبه بساطة هانى رمزى.. مرحلة جديدة وعودة محمودة لهانى فى مرحلة سنية جديدة يطلق عليها أهل الدراما مرحلة «الجراند» أو الممثل كبير السن، وهى مرحلة احتلها فى أفلام التسعينيات عظماء مثل كمال الشناوى وفريد شوقى وقبلهما كان الجميل توفيق الدقن.. ممثلو الكوميديا عمومًا هم فاكهة الأعمال الفنية وجواز مرورها إلى قلب المواطن، ووجودهم أشبه بنسمة صيف تخفف من جدية الدراما وتوتر الأحداث.. ألف مبروك عودة هانى رمزى الذى ننتظر توظيفه فى مزيد من الأعمال التى تستوعب موهبته الكبيرة.
مجدى فكرى
من بين عشرات المواهب التى تألقت فى «الاختيار ٣» توقفت عيناى عند الممثل الكبير «مجدى فكرى».. مجدى يلعب شخصية موظف فى الشهر العقارى يثور ضد انتهازية مديره الإخوانى ويواجهه ويحرض زميله الأحق بالمنصب «محمود البزاوى» على مواجهته.. مجدى فنان جميل ومقل لأنه يتعامل مع الفن بمنطق الهواة ولا يهدف سوى للاستمتاع.. هو فى الأساس مدرس تاريخ ومن الواضح أنه يحافظ على مهنته.. شاهدت له دورًا ممتعًا فى فيلم «يا دنيا يا غرامى» للمخرج الكبير مجدى أحمد على فى نهاية التسعينيات، وأظن أنه لعب دورًا مهمًا فى فيلم «هستيريا» واختفى فترات طويلة..مجدى فكرى مثل أحمد صيام وأحمد حلاوة وسامى مغاورى ولطفى لبيب عبقريتهم تكمن فى أنهم عاديون تمامًا ولكنهم عظماء فى فن التمثيل.. لا يملكون المواصفات الجسدية لنجوم الشباك لكنهم يملكون الثقافة وجمال الروح.. تحية واجبة لإطلالة هذا الفنان القدير ودعوة لأن نراه كثيرًا على الشاشة.
الخال
اليوم الذكرى السابعة لرحيل عبدالرحمن الأبنودى.. واحد من أعظم من صنعوا الجمال فى تاريخ مصر.. فى الستينيات كان الأبنودى يملك وجهة نظر مختلفة فى السياسة.. لم يمنعه هذا أن يسجل كل أفراح وانكسارات وطنه.. كان يفرق بين الاختلاف والخيانة.. كان فى كل ميدان معركة.. فى السد العالى سجل جوابات حراجى القط لزوجته فاطمة الفار.. قصائد من أعذب ما يكون سجلت ملحمة بناء السد بأيدى بسطاء مصر وفقرائها.. فى السويس كان يعيش بين المقاومين ولا يكتب عنهم من بعيد ويغنى.. يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى.. أستشهد تحتك وتعيشى إنتى.. خاض كل معارك مصر من بناء السد حتى طرد الإخوان.. فى التسعينيات شهد حملة مزايدة حقيرة بسبب رفضه غزو العراق الكويت.. كان محرك الحملة شاعر عامية من جيله.. اشتهر بالقدرة على تشويه الآخرين وهجائهم.. رغم أن قامته كشاعر لا تصل لكعب حذاء الأبنودى.. وقتها دار نقاش بينى وبين بعضهم على المقهى فقلت لهم: الأبنودى واحد من أعظم شعراء العالم.. لم يردوا، ولمحت فى أعينهم نظرة اتهام.. صعد الأبنودى إلى ذرى المجد وأظنهم ما زالوا جالسين على نفس المقهى.. رحم الله الأبنودى بقدر ما أعطى وبقدر ما أضاف لذاكرة الجمال فى هذا البلد.
جاهين
يشاء القدر أن نحتفل بذكرى رحيل الأبنودى ونحن نحتفل بذكرى ميلاد صلاح جاهين..موهوبان عظيمان تشاركا فى الموهبة الكبيرة والقدرة على الحلم لمصر.. وكأنهما كانا يردان على بعضهما البعض، حلم جاهين بـ«تماثيل رخام على الترعة» فلما انكسر الحلم رد عليه الأبنودى بـ«عدى النهار والمغربية جاية تتخفى ورا ضهر الشجر».. كانت مصر محظوظة بظهورهما فى جيل واحد.. وحملت حنجرة عبدالحليم كلماتهما مبكرًا للملايين.. ذهبت لزهرة البستان صبيًا وانخرطت فى حوار مع عم أحمد، جرسون المقهى، أسأله عن المشاهير الذين يجلسون على المقهى، قال لى وهو يستدعى ذاكرته: أجمل واحد الراجل السمين اللى بيكتب لنيللى!! قلت له: صلاح جاهين؟؟ قال: أيوه.. كان صلاح جاهين منذ السبعينيات يكتب فوازير نيللى أحد أسباب بهجة المصريين فى السبعينيات والثمانينيات.. صلاح جاهين قارة وحده.. فيلسوف عظيم عبر عن فلسفته فى الرباعيات.. وشاعر غنائى لا يبارى.. ورسام كاريكاتير ورئيس تحرير مبتكر.. شريك فى كتابة سيناريوهات لأعظم أفلام السينما المصرية وفوق البيعة ممثل هاوٍ ومنتج لفيلم حقق أعلى إيرادات فى تاريخ السينما المصرية وهو «خلى بالك من زوزو»، وهو أيضًا صاحب نبوءة ظهور التطرف وسيطرته على الجامعات المصرية من خلال شخصية عمران عدو الفتاة زوزو وصاحب شعار «جمعاء» الذى ما زلنا ندفع ثمنه حتى الآن.. رحم الله الأب الروحى لأحمد زكى وسعاد حسنى وشريف منير وعشرات من الموهوبين ورزقنا بموهوبين آخرين تستحقهم مصر بكل تأكيد.
راجعين يا هوى
أحد أسباب حب الناس لمسلسل «راجعين يا هوى» هو الطابع الكوميدى الذى يغلف الأحداث.. الصراع الأساسى مبنى على كره شديد لعائلتين تجمعهما صلة الأخوة والجيرة فى السكن.. والبطل الأساسى «بليغ أبوالهنا» تم الاستيلاء على ميراثه.. واقع مرير وسيئ تصنعه الأطماع والغرائز الإنسانية العليا.. لكن كاتب النص الأصلى أسامة أنور عكاشة ومعه صاحب المعالجة الذكية محمد سليمان عبدالمالك يحافظ على روح السخرية من هؤلاء المنغمسين فى الكره والأطماع.. يجعلنا نراهم بعين البطل «بليغ» أو بعين عمه «جابر » المثقف دارس الفلسفة فتكتشف أنهم ليسوا على شىء وأن الحياة أوسع بكثير من الصراع على المال والمصالح والاستسلام لمشاعر الكراهية..طابع كوميدى شكسبيرى.. كان الشاعر العظيم يغلف به بعض مسرحياته التى تناقش قضايا الإنسانية الكبرى.. بشكل عام الكوميديا فن عزيز وغالٍ وهى بمثابة طبطبة على الأرواح المتعبة.. لذلك يحبها المصريون ويتعلقون بها، وأرجو من شركات الإنتاج ألا تحرمنا منها ولا تبخل علينا بالمزيد منها فى رمضان المقبل.