الاختيار 3 بين الواقع والخيال «16»..
قصة التنظيم الإرهابى الذى استهدف كل أعداء الإخوان
«خلية مدينة نصر» طلب أعضاؤها التمويل من القاعدة واستهدفوا إشعال الفتنة الطائفية وتعطيل قناة السويس
مقر التنظيم كان «صالة ألعاب رياضية» والمتهم الأول أعاد إنتاج قصة سيد قطب وقال إنه أصبح تكفيريًا بعد أن سافر للغرب
خمسة وعشرون متهمًا حصلوا على أحكام بالمؤبد ومتهم واحد حصل على البراءة
متابعة تسريبات الإخوان على «كنبة الاعتراف» لا يجب أن تشغلنا عن الالتفات لبقية الأحداث المهمة فى المسلسل، حيث تمسك الحلقات بخيط مهم هو مخططات التنظيمات الإرهابية فى مصر فى عام حكم الإخوان والأنشطة التى قامت بها الأجهزة الأمنية الثلاثة للتصدى لهذه المجموعات التى تكاثرت مستغلة حالة الانفلات الأمنى عقب ٢٨يناير ٢٠١١ وحوادث فتح السجون.. فضلًا عن حركة الإفراجات التى تمت فى عام ٢٠١٢ وخرج فيها عدد من عتاة الإرهابيين من السجون بناء على قرارات إفراج بدا أنها متسرعة وغير مدروسة، وهو ما بدت نتائجه فى ظهور عدة مجموعات إرهابية تعمل فى مصر خلال عام ٢٠١٢ وهو ما ظهر جليًا فى أحداث الحلقة ١٧ من الاختيار.. فالضابط زكريا يونس الذى يرمز لأكثر من ضابط فى جهاز الأمن الوطنى ينخرط هو ورجاله فى مطاردة خلية إرهابية عرفت إعلاميًا باسم «خلية مدينة نصر» وهى خلية إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة كان من بين ما ضبط فى أوراقها خطاب أرسله أعضاؤها إلى أيمن الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة يطلبون فيه مباركته لنشاطهم وأن يوافق على تمويلها.. حيث كان التنظيم قد بدأ فى عملية شراء واسعة للأسلحة من ليبيا التى كانت وقتها تشهد حالة فوضى أمنية وتسيطر عليها ميليشيات إرهابية فتحت مخازن الجيش الليبى وباعت الأسلحة التى فيها ولا شك أنها أعطت الأولوية فى البيع للتنظيمات الإرهابية الزميلة والشقيقة وقد كان من بينها هذه المجموعة الإرهابية الناشئة فى مصر.. والتى قال مسئولها فى خطاب طلب الدعم من أيمن الظواهرى إن تكلفة نقل الأسلحة من ليبيا أصبحت مرتفعة للغاية، حيث يتكلف نقل المدفع الكلاشينكوف ألف جنيه كاملة لكل مدفع، بينما تبلغ تكلفة نقل الصاروخ «جراد» ألفى جنيه كاملة لكل صاروخ.. والحقيقة أن ما يتاح عن هذه التكوينات الإرهابية من معلومات هو أقل القليل أو يمكن وصفه بأنه ما قل ودل.. فهناك أجزاء كبيرة من التحقيقات تُحجب لاعتبارات الأمن القومى أو حتى لا يستفيد منها الإرهابيون بشكل أو بآخر.. وينطبق هذا على خلية «مدينة نصر» التى نرى وقائع مطاردة الأمن الوطنى لها فى حلقات الاختيار أو على بقية التنظيمات الإرهابية التى تكاثرت فى مصر فى هذه الفترة.. وحسب مرافعة النيابة فى محاكمة هذه الخلية الإرهابية التى دارت فى مارس ٢٠١٤ فإن المتهم الأول ليس هو «كريم بديوى» الذى شاهدنا مقتله فى أحداث الاختيار بعد مهاجمة الشرطة للمنزل الذى اتخذه مخزنًا للسلاح ومقرًا للتنظيم.. لكن المتهم الأول وفق التحقيقات هو «ط أ» وهو ابن لإحدى مؤسسات الدولة الوطنية اختار طريق الخيانة.. وراح فى الحوارات التى أجريت معه يعيد إنتاج قصة سيد قطب فيقول إنه اعتنق فكر التكفير بعد أن سافر فى بعثة لدولة غربية وشعر بالصدمة هناك، وهى نفس القصة التى رواها سيد قطب حرفيًا وهو يبرر تحوله من ناقد أدبى إلى منظر التكفير الأول فى العالم.. بعد أن انضم إلى عضوية جماعة الإخوان حاضنة الأفكار التكفيرية العظمى التى لا يكف قادتها عن إدانة أفكار التكفير شفاهيًا ونظريًا.. لقد قالت النيابة إن المتهم الأول «ط» استغل القدرات التى اكتسبها من عمله فى وضع خطة استراتيجية لضرب مؤسسات القوة فى الدولة المصرية واستهداف العسكريين المصريين والمهندسين ورجال الأعمال وقادة الكنيسة المصرية ورءوس العائلات المصرية الكبيرة الداعمة للدولة المصرية.. فضلًا عن خطة تم وضعها لضرب السفن التجارية الكبيرة أثناء عبورها فى قناة السويس بهدف إعاقة حركة الملاحة فى القناة.. وقد حدد هذا الإرهابى ثلاث مدن كبرى أسماها «مدن القوة» واستهدف السيطرة عليها وضربها وهى القاهرة والإسكندرية وبورسعيد.. وكان من بين أهداف الخطة ما أسماه واضعها «الوصول لنقطة اللا عودة» فى النزاع الطائفى على حد تعبيره أو الفتنة الطائفية، كما يسميها المصريون.. وقد احتوت الخطة على أفكار لاستهداف مساكن المسيحيين فى منطقة دوران شبرا، على حد مرافعة النيابة فى القضية.. وكان من بين الأفكار أيضًا استهداف الأديرة فى منطقة وادى النطرون والكنيسة المعلقة فى مصر القديمة.. ولم يكن غريبًا أن تحمل هذه الخطة اسم «فتح مصر» وأن تعثر عليها الشرطة فى منزل المتهم الثانى كريم بديوى الذى كان دوره هو تنفيذ هذا المخطط من خلال جمع العناصر الصالحة لتنفيذه وشراء الأسلحة من ليبيا وتهريبها إلى مصر وقد خزن الأسلحة فى شقة سكنية اشتراها وأعلن أنه يعتزم تحويلها لصالة «جيم» حتى يصبح من المنطقى تردد العشرات من عناصر التنظيم عليها، بالإضافة إلى مزرعة اشتراها فى منطقة وادى الملوك فى الصالحية.. وقد تمت مداهمة المقر الذى كان يديره كريم بديوى وعثر فيه على الأسلحة وعلى مبالغ كبيرة من الأموال قال المتهمون إنها من ممتلكاتهم الشخصية.. وقد قتل المتهم الثانى كريم بديوى أثناء المداهمة فى حين ألقى القبض على خمسة وعشرين من أعضاء التنظيم وتم الحكم على سبعة منهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وحصل واحد فقط على البراءة وحصل الباقون على أحكام متفاوتة بالسجن.. وقد كان الإخوان يدافعون عن أنفسهم لدى مراكز الأبحاث الغربية ويقولون إنه لا علاقة لهم بتنظيمات الإرهاب التى يتم ضبطها والدليل هو تنظيم خلية مدينة نصر الذى كان يوجه نشاطه ضد الدولة أثناء حكم الإخوان.. ولكن الحقيقة أن هذا التنظيم وغيره كانت توجه أنشطتها لمؤسسات الدولة الوطنية التى يستهدفها الإخوان ويبادلون مسئوليها الكراهية ويتربصون بهم وبها.. وهو ما يعنى أن أى نشاط إرهابى فى هذا الاتجاه كان نشاطًا مبكرًا لحساب الإخوان واستباقًا للصراع الذى دارت وقائعه بعد ثورة ٣٠ يونيو واستهله محمد البلتاجى القيادى فى الإخوان بقوله «هذا الذى يحدث فى سيناء سيتوقف فورًا إذا عاد مرسى إلى الاتحادية»!.. كانت أيام!!
المخابرات الحربية اصطادت «أبومنير» قاتل جنود رفح
فى محور مواز لنشاط جهاز الأمن الوطنى فى الاختيار.. نرى نشاط جهاز المخابرات الحربية.. من خلال نشاط المقدم مصطفى الذى يبدأ مهمته فى سيناء عقب مذبحة رفح فى أغسطس ٢٠١٢ وبتكليف من القائد العام للجيش الفريق عبدالفتاح السيسى الذى توعد بالثأر من مرتكبى حادث رفح.. يمسك المقدم مصطفى بطرف الخيط من خلال سيدة يموت زوجها فى عملية إرهابية بعد أن أقنعها بمغادرة قريتها فى الشرقية والهروب معه إلى سيناء للانضمام للإرهابيين هناك.. فى الأحداث نرى شخصية «أبومنير» قائد الإرهابيين فى سيناء فى هذه الفترة.. وهو مثل كل شخصيات الاختيار شخصية حقيقية.. والمفارقة أنه كان يعمل فراشًا فى مدرسة ابتدائية فى مدينة الشيخ زويد، وهو ما يعنى أنه كان شبه أمى أو ذا تعليم محدود للغاية.. وهى سمة اتسم بها الإرهابيون فى سيناء وفق شهادة أعضاء تنظيمات إرهابية أخرى سجنوا معهم قبل ثورة يناير ٢٠١١، حيث قال أحدهم إن تعليمهم كان بسيطًا للغاية وأنهم لم يقرأوا سوى ثلاثة كتيبات صغيرة لأبومحمد المقدسى وهو تكفيرى أردنى يعتبر من منظرى تنظيم القاعدة.. والحقيقة أن أبومنير من الجيل الأول للإرهابيين فى سيناء، وهو جيل دربه طبيب أسنان تكفيرى هو خالد مساعد الذى وضع اللبنة الأولى للإرهاب من خلال تنظيم أسماه «التوحيد والجهاد» أسسه عام ٢٠٠١ وكان له جناح دعوى معلن وجناح سرى خفى، ولم تنتبه أجهزة الأمن لخطورته إلا بعدما وقعت تفجيرات طابا ٢٠٠٤، وهى تفجيرات كبيرة وقوية استهدفت حركة السياحة فى طابا وهو ما أثار فزع أجهزة الأمن التى كانت غائبة وقتها عما يدور فى سيناء وبعد جهود مكثفة واصطدامات بالواقع القبلى فى سيناء تم تحديد شخصية زعيم الإرهابيين خالد مساعد الذى قتل فى مواجهة مسلحة فى عام ٢٠٠٥ ليتولى مساعده «أبومنير» قيادة التنظيم.. ورغم أنه لم يكن متعلمًا مثل مساعد إلا أنه كان ذا خبرة كبيرة فى الإرهاب استقاها من سفره إلى أفغانستان، وقد استمر التنظيم فى عمله ونظم تفجيرات شرم الشيخ فى ٢٠٠٥ وتفجيرات دهب فى ٢٠٠٦ وكان مما يستحق التوقف عنده أن الإرهابيين بدأوا نشاطهم فى ٢٠٠٤ بعد عام واحد من سقوط بغداد.. وبدأ مخطط زعزعة استقرار الدول العربية ذات الجيوش المؤثرة.. ومع بدء مبادرة «ديك تشينى» لتغيير الوطن العربى وكان إرهابيو سيناء تحديدًا هم الأكثر ارتباطًا بحركة الإرهاب العالمى كتخطيط وتمويل واستيراد مقاتلين، وكان هدفهم المعلن هو استهداف إسرائيل لكن ما فعلوه على الأرض هو استهداف جنود أكبر جيش عربى يمكن أن يزعج إسرائيل.. وقد استغل أبومنير حالة فتح السجون ثم حركة الإفراجات فى ٢٠١٢ فى إعادة تأسيس التوحيد والجهاد الذى حمل فى هذه الفترة اسم «أنصار بيت المقدس» ونفذ مذبحة رفح الثانية ضد جنود مصريين كانوا فى طريقهم لقضاء الإجازة فى القاهرة، وهى الجريمة التى قام بتنفيذها عادل حبارة ونال عقوبة الإعدام بسببها، كما استهدفت العمليات عدة مبان تابعة للجيش المصرى فى رفح.. وقد نال أبومنير أو محمد حسين محارب جزاء من سبقه ومن لحق به ومات فى مواجهات مع الجيش المصرى كما سنرى فى الحلقات المقبلة.