قبل أن تبتلع شاشات الموبايل أطفالنا.. "تايه بمزاجه" نموذجا
مسرح الطفل هو أحد منافذ الأمل فى المسرح، فله دور جمالى وتربوى خطير، خاصة مع تراجع دور المدرسة وإسهامها فى التربية واقتصارها على الدور التعليمى، وفى ظل الاجتياح التكنولوجى الذى عزلنا عن أطفالنا، وقد عُرض مؤخرًا العرض المسرحى «تايه بمزاجى» الذى يضع يده على مكمن الخطر ويدق جرس إنذار، فقد تحوّل أطفال هذا العصر تدريجيًا إلى القردة الثلاثة الشهيرة فى أسطورة «لا أرى لا أسمع لا أتكلم»، بفضل عوالم السوشيال ميديا التى حوّلتهم إلى تماثيل صمّاء لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم، ليصبح الأطفال موجودين بأجسادهم فقط بلا أى تأثير أو تأثر، بلا تفاعلات اجتماعية، أصبحوا مثل الحاضر الغائب، لا ينتبهون لما يحدث من حولهم، ولا يلاحظون تغيرات، ولا يفكرون فى تحويل أبصارهم عن الهواتف والاهتمام بما يبنى عقولهم.
وقد تناولت الكاتبة الصحفية ومؤلفة قصص الأطفال ناهد السيد تلك المشكلة المهمة فى نص «تايه بمزاجى»، الذى أخرجه محمد زكريا كأول إنتاج لمركز «ساقية بيفرلى» الثقافى، الذى أسسته منذ سنوات «السيد» فى مدينة الشيخ زايد من أجل تنمية المواهب فى مختلف الفنون.
وكان هذا العرض وما تلقاه الأطفال المشاركون به من تدريبات مع المخرج سببًا مباشرًا فى تغيير سلوكهم ومساعدتهم على التعبير عن ذواتهم وإظهار مواهبهم، حيث شارك الأطفال من عمر ٩-١٣ سنة فى ارتجال الحوار رغم صغر أعمارهم.
وعُرضت المسرحية على مسرح سيد درويش بأكاديمية الفنون، وقد تحمست للفكرة الدكتورة غادة جبارة، رئيس أكاديمية الفنون، وقررت عرضه مجانًا لطلبة الأكاديمية تحت إشراف الدكتور محمود مخيمر، مدير عام المركز الأكاديمى للثقافة والفنون «سيد درويش»، وقد لاقى نجاحًا وتفاعلًا من الأطفال الحضور وأهاليهم، حيث طالب العديد منهم بإعادة عرضه بعد العيد.
وتحمس له بعض مدارس مدينة الشيخ زايد ليتم عرضه فى مسارح المدارس أيضًا، ليصبح هذا العرض خطوة نحو تكوين فريق مسرحى للأطفال فى المركز الثقافى الذى تمت به التدريبات «ساقية بيفرلى»، ليتحوّل اهتمامهم إلى أرض الواقع مع تنمية مواهبهم من خلال المسرح.
وهنا يجب أن نشير إلى أننا فى حاجة لمثل هذه العروض الجادة التى تشتبك مع واقعنا، فمسرح الطفل هو احتياج وأولوية ملحة، وإذا كنا نفكر فى الغد فيجب أن نخطط للغد، لا أن نتركه هو ليخط مصيرنا، لذا نتساءل: لماذا لا ينشط مسرح الطفل التابع لوزارة الثقافة فى البحث عن نصوص مصرية ملائمة لأطفالنا وتعبّر عن قضايانا الآنية والحيوية وينتجها؟، ولماذا لا تتجول عروض مسرح الطفل والعرائس فى المدارس؟، ولماذا لا نُفعّل المسرح المدرسى والأنشطة المدرسية التى تلعب دورًا تربويًا مهمًا فى بناء أطفالنا؟، لماذا نترك أطفالنا فريسة للألعاب الإلكترونية ومواقع التواصل دون أن نقدم لهم بدائل حية وحيوية ونابعة من واقعهم الاجتماعى وعوالمهم الطبيعية لا من عوالم والت ديزنى؟.