ناس عارفة ربنا
«ناس عارفة ربنا».. هكذا برر بعض البسطاء انتخابهم الإخوان المسلمين عام ٢٠١٢ الذى شهد صعودهم لحكم مصر! إذن فالمعادلة بسيطة: وعى غائب = وطن ضائع، للإنصاف.. دعونا نعفى هؤلاء البسطاء من المسئولية الأولى على الأقل؛ ليس من باب الرأفة، بل لأن بصمات الجناة الحقيقيين فى تزييف وعيهم ظلّت لسنوات واضحة ومعلنة، على الأرصفة.. فى النوادى.. داخل الجامعات، مئات الكتب وعشرات المراجع التى نشرها الإخوان، تسللوا عبرها لملايين العقول فوق كل حبال التزوير والابتزاز العاطفى، بداية من مؤلفات سيد قطب وزينب الغزالى، وصولًا للمؤرخ الإخوانى زكريا سليمان، بالطبع لم تكن تلك هى وسائلهم الوحيدة.. اللقاءات الجماهيرية.. الظهور الإعلامى.. حشد الطلبة.. استقطاب المثقفين.. وسائل أخرى كان لها دور كبير سواء فى التبشير بصعودهم أو لوأد أى صوت يعارضه.. خاصة بعد أن منحتهم الدولة المصرية الضوء الأخضر للعمل السياسى والمجتمعى فى عصرى السادات ومبارك.
عام ٢٠١٣ أعلنت الدولة، رسميًا، أن الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، جميع أنشطتها محظورة، بتأكيد حسام عيسى- نائب رئيس الوزراء حينها- عبر مؤتمر صحفى أن مصر لن ترضخ لإرهاب الجماعة، قرار منتظر بلا شك.. مهم جدًا استئصال الورم.. لكن إهمال الخلايا التى أفسدها ستؤدى حتمًا لتكوينه من جديد، خاصة إذا كان لسرطان شديد الخبث والخطورة، هم إرهابيون نعم.. لكن دعونا نعترف بأن وعى المصريين يحتاج لإعادة بناء تطهر فكرة أنهم مجرد «ناس عارفة ربنا».
منطقيًا هو نتاج طبيعى لعملهم على تسطيح عقول الناس، بتخطيط دءوب.. أو بلغة القانون: مع سبق الإصرار والترصد، فى المقابل.. غاب عن المشهد الثقافى والإبداعى المصرى مشروع تنويرى مضاد.. لم تعوضه شعلات مضيئة.. حملها أصحابها منفردين بجسارة عاقبتهم الجماعة عليها بكل أشكال التنكيل المعنوى والجسدى.. أمثال العقاد وفرج فودة ووحيد حامد وأسامة أنور عكاشة ولينين الرملى، التاريخ يقدم لنا الروشتة.. يؤكد أن وعى الشعوب الراكد يحرّكه التنويريون.. لكن مجراه لا يتغير إلا بمشروع تتضافر الدولة فى إقامته وتنفيذه، أو على الأقل تسمح بوجوده، واقعيًا.. لم تعد الكتب مصدرًا أساسيًا للمعرفة.. بينما تظل مواقع التواصل الاجتماعى ساحات للتفاعل الوقتى مع الأحداث المختلفة كدوائر الماء المتلاشية فور إلقاء حجر فى بركة، السينما مهمة وفعّالة، إلا أن اكتمال تأثيرها يتطلب غزارة الإنتاج وفى الغالب ضخامته وبالطبع إتقانه، الولايات المتحدة الأمريكية وحدها استطاعت تحقيق تلك الشروط ما ضمن نجاحها المذهل فى دعم أجندتها الفكرية والسياسية عبر أفلام تكتسح دول العالم وعقول شعوبه، لذلك.. أصبح من المؤكد الآن فى مصر أن الدراما التليفزيونية هى الحصان الرابح فى معركة التنوير.. والمضاد الأسرع لتعافى الوعى وشفاء بصيرته.
المهم أن تتوالى على شاشاتنا مسلسلات تُنتج بسخاء، والأهم تُصنع بصدق وإتقان.. فى السنوات الأخيرة أستطيع أن أستشف ولادة هذا المشروع بالشكل المطلوب.. بداية من مسلسل الجماعة، مرورًا بكلبش وصولًا للاختيار، أخيرًا تحققت تمامًا المعادلة الصحيحة: عناصر متقنة.. إنتاج سخى.. تناول صادق، بالتالى جاءت النتائج أيضًا صحيحة، ظهرت المسارات الحقيقية لأحداثنا الفاصلة.. كما تكشفت كواليسها التى ظلت خفية أو مزيفة، والأهم.. تم فضح المتآمر الحقيقى على مقدرات هذا الوطن، ومن ثم عادت بوصلة البطولة نحو من يستحقها.. فور إنهاء قراءتك لمقالى.. مرور سريع من هاتفك على مواقع التواصل الاجتماعى سيكشف لك عظمة وأهمية تأثير تلك الأعمال سواء من خلال تصدرها المشاهدات أو اللوثة والوهن الذى بررت به الجماعة أفعالها، فبينما قدّمت تلك الأعمال حقائق موثقة بالصوت والصورة، أطل النفى أو التبرير فى المقابل بصفته الحقيقية: مجرد عبث، ربما يجسده أحد البوستات التسطيحية المنسوخة بالحرف فى عشرات المواقع الآن، مُعبّرًا كاتبها الذى حمل اسمًا مختلفًا فى كل مرة أن «محمد مرسى كان بينزل يصلى الفجر فى المسجد بعد انتخابه رئيسًا للجمهورية!» وبالتالى.. ومرة أخرى.. هو وجماعته «ناس عارفة ربنا»!!