حكاية مسجد| السلطان حسن بناه تخليدًا لاسمه ومات قبل اكتماله
حاول المماليك خلال ما يقارب 300 عام من الحكم تخليد ذكرهم في تاريخ مصر، وذلك بتشييد العديد من المعالم الأثرية خاصة في القاهرة، واختلفت أشكال البناء والعمارة في عهدهم ما بين المنازل والقصور إضافة إلى المساجد.
ويعد مسجد السلطان حسن واحد من أهم المساجد التي شيدت في عهد دولة المماليك، وهو واحد من أهم وأضخم مساجد مصر التاريخية، وشيد المسجد على مقربة من قلعة صلاح الدين، بميدان الرميلة، الذي سمي فيما بعد بميدان صلاح الدين، وقد أنشأ المسجد في عهد السلطان حسن بن الناصر محمد بن قلاوون، وهو أحد سلاطين دولة المماليك الأولى، أو دولة المماليك البحرية.
قبل بناء مسجد السلطان حسن، كان والده السلطان الناصر محمد بن قلاوون، قد أمر ببناء قصر على تلك الأرض لأحد الأمراء المقربين وهو الأمير المملوكي بلبغا اليحياوي، والذي شغل منصب نائب السلطنة على الشام في ذلك الوقت، ولكن بعدما تولى السلطان حسن الحكم بعد وفاة والده، فكر في بناء المسجد وأمر بهدم القصر المقام لنائب السلطنة، وشرع في بناء المسجد عام 757 هجرية/ 1365 ميلادية، وانتهى البناء عام 765 هجرية/ 1363 ميلادية.
وأمر السلطان حسن أن يتحول الجامع إلي جامع ومدرسة لعلوم الدين وتحفيظ القرآن تحمل اسمه، وقد تكلف المسجد في ذلك الوقت أموالا طائلة، وصفها المؤرخين بأنها أكثر من نصف ما كان موجود في بيت المال ووصلت لمليون دينار.
وقد أنشئ المسجد من الداخل وفقًا لنظام المدارس ذات التخطيط المتعامد، وتعد كل مدرسة مسجد صغيرًا، وكانت كل مدرسة منها مخصصة لتدريس مذهب من المذاهب الإسلامية الأربعة "الشافعي – المالكي – الحنبلي – الحنفي"، وأمر بتخصيص شيخ لكل مذهب بشيخ ومائة طالب، في كل فرقة خمسة وعشرون متقدمون، وثلاثة معيدين، وحدد لكل منهم راتباً حسب وظيفته، وعين مدرساً لتفسير القرآن، ومعه ثلاثين طالباً.
وقد ذكر "المقريزي" في كتاباته عن بناء المسجد، إلى أن الأوبئة التي أثرت على السكان في ذلك الوقت حالت دون استكمال البناء، إلا أنه جذب العديد من الصناع والحرفيين من مختلف الأقاليم التابعة للدولة المملوكية، وتبلغ مساحة المسجد 7906 متر مربع، ويبلغ أقصي طول 150 متر وأقصى عرض 68 متر، وأما مئذنته فهي كفيلة أن تجذب الأنظار عن بعد، فهي أطول مآذن مصر ويبلغ ارتفاعها 81 مترًا، وقد استمر العمل في بناء المسجد حتى مقتل السلطان على أيدي أمراء المماليك خلال رحلة صيد في عام 762 هجرية/ 1360 ميلادية، وقد ألقيت جثته في النيل ولم يعرف له قبر.
وقد استخدم المسجد كحسن نظرًا لقربه من القلعة، وكان تطلق من فوق سطحه المجانق على القلعة، حينما كانت تحدث الفتن بين أمراء المماليك والسلاطين فيما بعد.