حاجتنا إلى الضحك
منذ ثلاث سنوات يعيش العالم أوقاتًا صعبة.. بعض الفلاسفة يرى أن العالم يحكمه الجنون.. لو لم يكن الأمر كذلك لما دخل فى حربين عالميتين فاق عدد ضحاياهما ستين مليون إنسان.. ولما أنفق مئات المليارات على الحرب الباردة ولما أنفقت أكبر قوة فى العالم أربعة آلاف مليار دولار لغزو أفغانستان والعراق دون أن تحقق أى هدف من أهدافها فى الغزو.. دعك من كل الفلاسفة الذين يرون أن العبث يحكم العالم وافترض أنه مكان سعيد.. لكنه لم يعد كذلك منذ ظهور فيروس كورونا أولًا والحرب فى أوكرانيا ثانيًا.. تأثرت أحوال الناس المعيشية والنفسية أيضًا.. فى أزمة كورونا أجبر الناس على عدم التواصل مع بعضهم البعض.. اعتصم بعضهم بالوحدة.. تأثرت أعمال الكثيرين ومستويات حياتهم.. ما إن أفقنا من كابوس كورونا وخرجنا للشارع حتى قالوا لنا إن توابع الأزمة مستمرة.. وإن هناك مشكلة فى سلاسل الإمداد.. نتج عنها تضخم فى الأسعار.. قبل أن نستوعب ما يحدث اشتعلت الحرب فى أوكرانيا لسبب لا يفهمه معظمنا ولا يهتم أن يفهمه.. أمر لا يعنينا.. لكنه أثر على رغيف الخبز فى أيدينا.. أيام محنة وتمر بإذن الله.. لكننى أفكر أننا جميعًا فى حاجة شديدة للضحك.. لم نعد نضحك مثلما كنا فى الماضى، غطت الجدية والحزن حياتنا من فرط التحديات التى نواجهها منذ عقد كامل أو يزيد.. الأستاذ عادل إمام كان يأتى لزيارتنا فى روز اليوسف أو نذهب له.. كانت عيناه تلمعان وهو يتحدث عن فوائد الضحك.. كان يقول إن حضور مسرحياته هو أقصر طريق للسعادة الزوجية.. وإن الضحك يجعل حياة الإنسان أفضل.. عادل إمام مثقف وقارئ وكل ما يقوله صحيح جدًا جدًا.. الدراسات الطبية تتحدث عن آثار طبية مهولة للضحك.. فهو يحسن صحة القلب ويقلل إفراز أكثر هرمونين مُضرين لصحة الإنسان وهما «الكورتيزول» و«الأدرينالين» واللذان يفرزهما المخ فى حالات القلق والحزن.. نحن نحتاج أن ننسى مشاعر القلق والحزن.. لذلك نحتاج أن نضحك.. عندما تم إعلان خريطة مسلسلات رمضان وجدت نفسى أبحث عن مواعيد عرض المسلسلات الكوميدية.. لدينا هذا العام مسلسلان من بطولة النجمين «أكرم حسنى» و«أحمد مكى».. للمرة الأولى أتمنى لو كان نصف المسلسلات المنتجة كوميديا.. نحن فى حاجة لهذا بشدة.. إننى أتمنى أن يعرض هذان المسلسلان على كل القنوات الرئيسية وأن تتاح مشاهدتهما لأكبر عدد ممكن.. أتمنى بعد رمضان أن تكون لدينا برامج يقدمها ممثلون كوميديون وأشخاص خفيفو الظل.. لقد تعبنا من الأخبار المتتالية والتى تنقل لنا أحداث حروب وأوبئة وأزمات وأظن أننا نحتاج إلى هدنة.. منذ عشرين عامًا تقريبا كان لدىّ فكرة لبرنامج مسابقات لاكتشاف المواهب الكوميدية فقط.. يتسابق فيه الموهوبون فى فنون التقليد والنكتة والستاند أب كوميدى وغيرها.. برنامج على غرار «الدوم» لكنه نسخة كوميدية منه.. يتولى التحكيم فيه أشخاص مثل محمد سعد ومحمد هنيدى ولطفى لبيب مثلًا.. نريد أن يجلس الناس كل أسبوع ساعتين أمام هذا البرنامج ليضحكوا من القلب.. نريد قناة تعرض فقط الأفلام الكوميدية القديمة والحديثة.. تعبنا من وجع القلب.. اعتبروا أننا نريد أن ننسى أو نحصل على هدنة أو استراحة.. لا أظن أن الأمر مقتصر على الضحك فقط رغم أهميته.. نحن محتاجون للاهتمام بكل ما هو روحى ونفسى وإعلائه على كل ما هو مادى وحسى.. لقد تحولنا عبر عقود إلى حيوانات مستهلكة.. نعيش لنستهلك ونأكل ونمارس المظهرية.. بكل تأكيد لكل إنسان الحق فى إشباع احتياجاته المادية العادلة.. ولكن هناك فارق بين حق الإنسان فى وجبة صحية وبين رهانات الشباب المصرى على من يستطيع التهام مائة سندوتش كبدة وسجق مرة واحدة!! أو اعتبار الكثيرين أن وجبة مشبعة بالدهون فى منتصف الليل هى أقصر طريق للسعادة.. أو تحويل الكثيرين التدين إلى طقس استهلاكى واستعراضى وحفلات أوبن بوفيه ورحلات حج وعمرة فاخرة.. هذا هو ما أقصده بسيطرة المادة على حياتنا وإهمالنا كل ما هو مصدر سعادة آخر.. أهملنا الضحك والفن والطرب الحقيقى والاستماع لقراء القرآن العظام والقراءة ومشاهدة الأفلام الهامة والمسرحيات الهادفة وصرنا جميعًا مشغولين بالمادة.. سواء كنا فقراء أو أغنياء.. إننى أتمنى أن تضاعف وزارة الثقافة عدد الليالى الفنية التى تقيمها فى شهر رمضان القادم إذا كان هذا ممكنًا.. وأتمنى أن تشارك وزارات أخرى فى إقامة فعاليات فنية فى ميادين المحافظات المختلفة بعد الإفطار إذا كان هذا ممكنًا.. الناس تحتاج لأن تنسى همومها ولأن «تتونس» ببعضها البعض فى مواجهة ظروف عالمية قاسية وكئيبة.. ليس أمامنا إلا أن نضحك.. فهيا بنا نضحك.