أكذوبة «الاقتصاد الإسلامى»
يقول المثل الشائع «وبضدها تعرف الأشياء».. أنا شخصيًا إذا رأيت أناسًا بعينهم يهاجمون قرارًا ما للدولة أعرف أن فيه مصلحة مصر.. لو رأيت قناة معينة تحاول إقناع الناس بعدم شراء شهادات البنوك أدرك مباشرة أن فى شراء الشهادات فائدة عظيمة لمصر والمصريين.. إذا وجدت تيارًا بعينه يحاول الترويج لحرمة فوائد البنوك.. أدركت فورًا كم أن البنوك وإيداعات المصريين فيها ركيزة للاقتصاد القومى.. من حيث المبدأ إيداعات المصريين فى البنوك فى آخر أسبوع فاضت وزادت.. الطبقة الوسطى أودعت مائتى مليار جنيه فى أسبوع واحد.. الناس تتزاحم على البنوك من السابعة صباحًا وحتى الخامسة عصرًا.. والمعنى أن ترويج كذبة تحريم فوائد البنوك فشل فشلًا ذريعًا.. فكرت أن أتجاهل الموضوع من الأساس، لأنه لم يحدث أى أثر سلبى.. بالعكس.. قال لى عقلى لماذا تخصص مقالًا للرد على أناس فشلوا فى إقناع الناس لمخاصمة العصر؟.. أنا لست رجل دين، وأسانيد إباحة فوائد البنوك فصلها مفتى الجمهورية وشيخ الأزهر وكبار العلماء فكفوا ووفوا.. لكن هذا لا يمنع أن علينا أن نواصل توعية أهلنا بأن فوائد البنوك ليست ربا.. الإسلام حرم الربا لأنه ينطوى على استغلال.. شخص فى ضائقة يذهب ليقترض فيشترط عليه صاحب المال أن يرده له مضاعفًا أو زائدًا.. هذا استغلال حرمه الإسلام.. عمل البنوك مختلف.. يقوم على الشراكة أو تنظيم العلاقة الاقتصادية بين شخصين.. أولهما يملك مدخرات ولا يملك موهبة البيزنس أو كبير فى السن أو مشغول بوظيفة، والثانى شخص موهوب فى إدارة المشاريع.. لديه فكرة أو منتج أو اختراع ويريد تمويلًا له.. البنك يلعب دور الوسيط بين الطرفين، ويلعب دور الضامن أيضًا.. يضمن لك مدخراتك ويوفر للشخص الموهوب تمويلًا لمشروعه.. يعطيك أرباحك مما يدفعه الشخص الموهوب فى البيزنس.. يحولك إلى شريك فى رأس المال بنسبة معقولة، ويحول الشخص الموهوب إلى شريك بالإدارة وجزء من الربح بنسبة معقولة.. هذا هو عمل البنك.. لا استغلال لأحد ولكن شراكة تجارية.. بدون البنوك لا اقتصاد حديث ولا قديم.. فى مرحلة معينة يمكن أن تخصص البنوك جزءًا من الودائع لتمويل المشروعات الكبرى مقابل ربح تحصل عليه.. فى هذه الحالة أموالك هى التى تفتح بيوت مئات الآلاف من العاملين فى هذه المشروعات وتحافظ على استمرارها وتسليمها فى مواعيدها.. ثقتك فى اقتصاد وطنك رسالة.. اطمئنان الحكومة أن أموال المصريين موجودة فى بنوك مصر رسالة.. إقدام الناس على شراء الشهادات بهذه الكثافة بعد الإجراءات الأخيرة رسالة.. كل هذه الرسائل تضايق من يكرهون هذا البلد.. فتصدر منهم هذه التصرفات الصغيرة التى تشبه دأب بعوضة على مضايقة فيل.. لا تؤدى إلى ضرر حقيقى فى النهاية.. دراستى للتاريخ الحديث تجعلنى أقول إن فتاوى تحريم فوائد البنوك لم تكن لوجه الله.. كانت هناك كذبة كبيرة اسمها الاقتصاد الإسلامى.. لم تكن هناك وسيلة لإقناع الناس به سوى بفتاوى تحرم البنوك العادية.. رغم أن البنك الإسلامى ليس سوى بنك عادى متنكر! المملكة العربية السعودية أحبت أن يكون لها بنك فى مصر فى نهاية السبعينيات.. كانت الفكرة أن تستمر إيداعات العاملين المصريين فى السعودية داخل شرايين الاقتصاد السعودى.. وليس فى هذا عيب.. تفتق الذهن عن بنك ضخم يحمل صفة «إسلامى»، فضلًا عن أنه كان يحمل اسم واحد من أحب الناس لقلوب المصريين هو الملك فيصل، رحمه الله.. وهكذا ظهر «بنك فيصل الإسلامى»، هذا البنك كان البنك الوحيد فى تاريخ مصر والعالم الذى أشرف على تأسيسه وزير الأوقاف لا وزير الاقتصاد!.. وزير الأوقاف فى ذلك العام ١٩٧٨ كان الداعية الكبير محمد متولى الشعراوى.. كان فضيلته مستشارًا شرعيًا للبنك أيضًا كى يضمن أن معاملاته إسلامية.. وقد تزامن هذا مع فتواه القديمة بأن فوائد البنوك «العادية» حرام.. رغم أن الناس كانت تحصل أيضًا على فوائد من بنك فيصل تحت اسم «أرباح»!.. ليس الهدف الإساءة لهذا العالم الكبير بالطبع.. ولكن فهم العوامل السياسية والاقتصادية وراء بعض الأمور.. الاعتقاد بحرمة فوائد البنوك وترويج البعض لهذا قاد المصريين لأكبر عملية نصب تعرض لها خمسون ألف أسرة مصرية من صفوة المجتمع باسم شركات توظيف الأموال الإسلامية.. شركات يرتدى أصحابها العمامة والجلباب وتروج أن أساليب عملها كلها بركة وتجمع المليارات بدون رقابة ولا تستثمرها فى أى نشاط إنتاجى حقيقى.. والغريب أن داعية كبيرًا مثل الشيخ الشعراوى خدع فى أصحاب هذه الشركات وروج لها وبارك نشاطها، والسبب هو اعتقاده أن ما تقوم به هو اقتصاد إسلامى، فى حين أنه ليس إسلاميًا ولا يحزنون.. مجرد أكل عيش أحيانًا أو أكل «بقلاوة» فى أحيان أخرى.. أو كما قيل.