معتزة عبدالصبور: على الممثل دراسة الأدب سواء يقدم «الإلياذة» أو مجرد إعلان
التمثيل حرفة وموهبة تحتاج تدريباً.. ولا يوجد شيء اسمه «أنا موهوب.. همثل»
الممثل المصرى قادر على المنافسة عالمياً بموهبته.. لكن ما ينقصنا هو الحرفة
مشروعي لتطوير الممثل في أكاديمية الفنون توقف.. وأطالب «الثقافة» باستئنافه
المسرح قدرني واستثمر في موهبتى.. والسينما حصرتني فى أدوار كوميدية نمطية
لا استطيع العمل في مسرح الدولة رغم حصولي على جائزة أفضل ممثلة.. لأنني لست موظفة !
أؤمن بمقولة: «لو التمثيل مسابقة في البكاء.. لفازت خالتى بالجائزة الأولى !»
يمكن تقديم كوميديا دون «ابتذال».. ولماذا يهين البعض أجسادهم من أجل الإضحاك؟
واحدة من أهم ممثلات المسرح المصرى المعاصر، تميزت عن بنات جيلها بإطلاع واسع ومعرفة وعلم وعمل دؤوب ومستمر على تطوير الذات، بالتوازي مع امتلاكها موهبة مميزة دفعت مدرب التمثيل الروسى الشهير يورى أيسكيدز، رئيس المركز العالمى لتدريب المسرح فى برلين، إلى أن يقول: «هي ليست مؤدية فقط.. إنها فنانة».
الفنانة معتزة عبد الصبور، التي تمتلك قدرات متعددة وموهبة ومعارف عميقة، وتعمل على تطوير أدواتها كممثلة بشكل مستمر، منذ أن اختارها المخرج الكبير جواد الأسدى فى بداياتها المبكرة، لبطولة عرضه المسرحي: «شباك أوفيليا»، مروراً بلعبها أدوار مميزة فى عروض هامة مع فرقة «الحركة» التى أسسها خالد الصاوي، مثل: «أنطونيو وكيلوبطة» و«اللعب فى الدماغ»، ما أهلها للفوز بجائزة أفضل ممثلة فى المهرجان القومى للمسرح عام 2016، عن دورها فى عرض «ذاكرة المياه»، من إنتاج فرقة «القافلة».
كما أن «معنزة» أحد أهم وأشهر مدربى التمثيل فى مصر والوطن العربى، حصلت على العديد من التدريبات والخبرات العملية التى حرصت على نقلها لزملائها الفنانين عبر الورش والتدريب، وكان لديها مشروع هام لتحديث مناهج تدريب الممثل، واستدعت عبره عددا من الخبراء الأجانب، لكن لم يكتمل رغم نتائجه المبهرة.
«الدستور» الفنانة معتزة عبد الصبور عن هذا المشوار الطويل المهم، وتتيح لها فرصة لتقديم ما يشبه الدليل والمرجعية المهمة جداً لأي ممثل يرغب فى تطوير أدواته، وغيرها من التفاصيل في السطور التالية.
بداية.. كيف تأسس التكوين المعرفى لـ«معتزة عبد الصبور»؟ وما دور الخلفية الأسرية فى ذلك؟
كونى ابنة صلاح عبد الصبور لم يؤثر فقط فى تكوينى المعرفى فحسب، بل امتد ليشمل تكويني الروحانى وشخصيتي، ويعلمني أموراً مثل: النزاهة والشرف والجدية واستقبال للعالم بذات الرحابة، وهو موضوع ليس بسيطاً على الإطلاق.
ومنذ طفولتى حياتنا هى المسرح والكتب والقراءة ولقاءات مع فنانين وموسيقيين وتشكيليين وشعراء، وانفتحت على هذا العالم قبل أن اتعلم الكلام، وكانت القراءة فى بيتنا شيئاً أساسياً مثل الأكل والشرب.
ثم جاء سفري مع أسرتى إلى الهند فى سن صغيرة، وانفتاحى على ثقافة من أغنى ثقافات العالم فى بعديها الجمالي والروحانى، وأنا مدينة لسنوات الهند بأنها جعلتنى أكثر رحابة في تلقى الآخر المختلف عني، وهذا شيء أساسى فى تكوين أى فنان.
كذلك لا أنسى سفرى إلى الولايات المتحدة فى آخر سنتين دراسة لي قبل الجامعة، حيث بدأت علاقتى بالمسرح، الذي ضاهى فى إمكانياته ومناهجه والاهتمام به أى مسرح محترف، ولم يكن مجرد نشاط طلابى بل معمل لبناء الإنسان والفنان.
درستِ المسرح في الجامعة الأمريكية.. إلى أى مدى صقل ذلك موهبتك فى التمثيل؟
حين عدت إلى مصر لم التحق بقسم المسرح، بل التحقت بقسم الأدب الإنجليزى والمقارن، وفى نفس الوقت التحقت بـ«كورسات» في التمثيل والإخراج، وشاركت فى مسرحيات الجامعة. وكان الدكتور محمود اللوزى من أكثر الأساتذة التى أثرت في تكويني، إلى جانب جريج هنري، وهو رئيس مركز «لينكولن» للفنون المسرحية فى نيويورك حالياً،
بعد ذلك شرعت فى الحصول على ماجستير فى الأدب الإنجليزى والمقارن، وشعرت بأنني استطيع فعل الأمرين معاً، تعلم الدراما والمسرح، واستكمال دراساتي العليا فى الأدب الإنجليزى والمقارن، وفقاً لنصيحة والدتي، التى كان لديها بُعد نظر في ذلك، لأن الجمع بين الأمرين صقلنى معرفياً وثقافياً.
وكلما مر الوقت، أدرك الفارق بين الممثل الذي يملك خلفية ثقافية ومعرفية، والآخر الذي لا يملك هذه الخلفية. ومدرب التمثيل الأمريكى لارى موس يقول: «أنا لا أعطي دروساً فى التمثيل، لكنها دروس لتكريم كاتب المسرح». ومن هنا فإن دراستى للأدب أثرتنى كممثلة وعلمتنى احترام النص.
متى كانت بدايتك الاحترافية في المسرح؟
أخبرنى أحد الأصدقاء بأن المخرج العراقى جواد الأسدى يجرى اختبارات أداء لاختيار بطلة عرضه الجديد «شباك أوفيليا»، فتقدمت وتعمدت ألا أخبره بأنني بنت صلاح عبد الصبور، وبالفعل اختارنى ولعبت دور «أوفيليا». ومن هنا بدأت مسيرة 10 سنوات من عمري كانت فارقة فى تطويرى كممثلة.
ولا أحد يستطيع أن ينكر الفرص التى حصلنا عليها أثناء فترة تولى الدكتورة هدى وصفى لإدارة مركز الهناجر للفنون، سواء العمل فى المسرح أو فى التدريب، لأنها كانت تدعو مُدربين مهمين جداً، وبموضوعية تامة وبدون حسابات شخصية، ومثل تلك الحسابات تدمر المسرح والثقافة.
وساهم ذلك في ظهور جيل كامل من الممثلين، حصل على دعم كبير من الدولة ووزارة الثقافة، لا لشئ إلا لأنهم موهوبين. لكن هذا الجيل الذى احتضنته نهاد صليحة وهدى وصفى، هو الجيل الذى تم تهميشه فيما بعد. لذا انتهز الفرصة وأعبر عن منتهى الحب والاحترام والامتنان لهما.
بعد ذلك بدأت عملي فى السنيما، وعلى أن أقول بينما كان المسرح يقدرني ويستثمر فى موهبتى، حصرنى صناع السينما – للأسف - فى أدوار كوميدية تستند إلى التنميط فى الأداء الصوتى والجسدي.
لماذ ابتعدت مؤخرا عن المسرح؟
عملت مع كافة المخرجين ومع فرق مختلفة، فأنا ممثلة محترفة. وما جعلنى ابتعد حقا هو بيئة الانتاج، التي لم تصبح كما كانت، فأنا ممثلة محترفة حصلت على جائزة أفضل ممثلة فى المهرجان القومى للمسرح، ومع ذلك غير مسموح لى بالعمل فى مسرح الدولة، لأنى لست موظفة ولست جزءً من أى شلة. فبيئة الانتاج أصبحت تحكمها «الشللية». لكنى لم أتوقف ومازلت أعمل على مشروعى وأبحث عن فرص تليق بى.
هل التدريب ضرورة للممثل؟
طوال حياتى لم أكف عن تطوير نفسى كممثلة، فحصلت على منحة مهمة فى لندن مع مدرب من أهم المدربين فى أوروبا الغربية والولايات المتحدة، هو دريس فورمان ، الذي يدرب وفقاً لمنهج حديث جداً للممثل هو منهج «سيكولوجية الحركة»، وللعلم دعوته لنقل هذه الخبرة إلى مصر.
تدربت أيضاً مع أستاذ من أهم أساتذة المسرح فى العالم، الروسى يورى أيسكيدز، وهو تلميذ مباشر لـ«جروتوفسكى»، وأحد عباقرة المسرح الروسي، وكان انتقائياً جداً، ولم يقبلني إلا بعد عدد من المقابلات، كما أن أجره كبير، لذا دعمنى وتكفل بدراستى وقتها رجل الأعمال المهندس سميح ساويرس، وسأظل ممتنة لهذ الأمر كثيراً.
وأرى أن التدريب ضرورة للممثل، وأن ذلك أمر ليس فيه اختيار، فلا يوجد شئ اسمه: «أنا موهوب فهمثل»، لأنه إلى جانب الموهبة توجد حرفة، وكل ممثل عالمى هو ممثل مُدرَب، وسواء كان خريج أكاديمية أو لا، يُسئل فى اختبارات الأداء عن التدريبات التى تلقاها ومع من. واعتقد أن لدينا مشكلة حقيقية فى تعليم الفنون داخل مصر، لأننا توقفنا عند مناهج بدايات القرن العشرين، فى حين تطورت هذه المناهج فى العالم كله وما زالت تتطور.
إلى أين وصل مشروعك لـ«تطوير الممثل» في أكاديمية الفنون؟
أقمت عدة ورش مع مدربين أجانب لطلبة أكاديمية الفنون، على الرغم من أني لست من خريجىها، لكني فعلت ذلك انطلاقا من مسئوليتى. لكن لم يستمر هذا المشروع، ومازلت أرى ضررة استئنافه من قبل وزارة الثقافة، لأن أثره فى الطلبة كان كبيراً، وعرفهم بمناهج أداء حديثة لم يسمعوا عنها من قبل.
وأسعى حالياً لتنظيم ورش بشكل مستقل تماماً، طالما لا يوجد كيان فى الدولة يرغب فى احتضان مشروع بتلك الأهمية، يؤهل الممثل المصرى للمنافسة عالمياً، فنحن لا تنقصنا الموهبة بل أحيانا تزيد، لأن هناك سمات للشخصية المصرية تجعلهها أكثر تواصلاً مع مشاعرها ومع عقلها الباطن، وأكثر أريحية وانفتاحاً على داخلها، بصورة أكبر من الشخصية الغربية، لكنهم متفوقون لأن لديهم الحرفة.
هل مناهج التدريب المخصصة للمسرح مختلفة عن مناهج السينما؟
منهج التمثيل الذى استخدمه يصلح لممثل السينما أو المسرح، لكن أحيانا يكون هناك «كورس» إضافى للممثل الذى تم تكوينه بالفعل للتمثيل أمام الكاميرا. فالممثل المحترف له أبعاد نفسية وأخلاقية وثقافية وجسدية ينبغي أن تتطور، ويكون لديه القدرة على التحكم فيها.
هناك من يعتقد أن التمثيل هو القدرة على البكاء والتأثير على الجمهور عبر الدموع، لكن كما يقول بابى لوز، وهو مدرب تمثيل مهم جدا: «لو التمثيل مسابقة فى من يستطيع أن يبكى أكثر لفازت خالتى بالجائزة الأولى».
على العكس القدرة على التحكم هى ميزة الممثل المحترف، وكذلك قدرته على فهم أبعاد الشخصية، وما الذى يصدر عنها من سلوك، وما الذى لا تفعله، وكأنه إحلال أرواح، روح الممثل الذاتية تخرج وتدخل روح الشخصية، وهو أمر صعب جداً.
وهنا أنا لا اتحدث عن الممثلين الذين يمارسون التمثيل كمهنة يستهلكونها، لكني اتكلم عن الممثل الذى يريد أن يكون ذا قيمة فى المهنة، من يريد أن يكون مثل أحمد زكى أو سعاد حسنى أو محمود المليجي أو نجيب الريحاني، ممثل يستطيع أن يشاهد أدائه أجيال قادمة بعد 50 سنة، وتكون عندهم ذات الدهشة الذى حدثت لنا مع هؤلاء الممثلين العِظام.
الكوميديا فى مسرح اليوم كيف ترينها؟
مدرب التنميل الروسي يورى أيسكيدز يقول: «الفنان لا يكون أبدا مبتذلاً»، وسبق أن قدمنا في هذا الإطار عرض «أنطونيو وكيلوبطة» مع خالد الصاوى، وكان كوميديا مسخرة لكن دون ابتذال، يعنى قدمنا في أقصى لحظات الكوميديا نقد سياسى واجتماعى.
فلماذا تهين جسدك للإضحاك؟ أنه أحد أهم أدواتك التى تتحكم فيها لتوصيل المعنى... كل ماهو فى ذهنك وعاطفتك وخلفيتك الثقافية والاجتماعية، كل هذا ينعكس على جسدك، وهناك مقولة هامة: «أجسادنا تخبر كل تاريخنا ومن نحن».
من واقع خبرتك.. ما العلوم التى يحتاج الممثل الإلمام بها؟
هناك تماس شديد بين علم النفس والتمثيل، خاصة كارل يونج، لأن مناهج التمثيل الحديثة مابعد «ستانسلافسكى» استندت إلى كارل يونج. كذلك يجب الاهتمام بالموسيقى والفن التشكيلى.
وينبغي أيضاً دراسة الأدب بشكل حقيقى، فعلى الممثل أن يقرأ لـكل من: يوربيديس، وتشيكوف، وتنيسى وليامز، وآرثر ميلر، وسعد الله ونوس، وصلاح عبد الصبور، وغيرهم الكثير، سواء كان يمثل «الإلياذة» أو يقدم مجرد إعلان ! فالمعرفة هى الثروة التى ستجعل تمثيلك ذا طبقات ويجعله غنى، والقراءة تكسبنا خبرات إضافية بجانب تجاربنا،
لماذا لاتقدمى تلك الخبرة الهامة فى كتاب عن حرفيات أداء الممثل؟
مؤكد سيحدث. لكن حتى هذه اللحظة ما زالت خبرتى تكتمل، فأغلب الخبراء كتبوا فى مرحلة متقدمة. وحتى أستطيع أن ابنى على تجارب من قبلى، يجب أن تكون لدى إضافة وقدرة على تطوير الأمر وفقا لما يصلح لنا كمصريين وعرب.