القيادة في الاسلام بين الحقيقة والاكاذيب (1 ـ 3)
سلسلة في مواجهة الغلو ـ 1
وكان النبي يعتمد علي النمط التفاعلي فهو يشاور ويناقش اصحابه ويأخذ بأرائهم فمثلا نجده يستشير الانصار قبل الدفع بهم في أتون حرب موشكة مع قريش كما ينزل علي رأي الشباب بالخروج لملاقاة العدو خارج المدينة في غزوة احد كما يأخذ بالخطة الحكيمة لسلمان الفارسي للذود عن المدينة ويحفر خندقا حولها.كما كان الصفح والتسامح من شيمه الكريمة فحينما قبض علي امرأة تحمل كتابا ِ مِن الصحابي ْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا حَاطِبُ مَا هَذَا ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لا تَعْجَلْ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفَسِهَا وَكَانَ مَنْ كَانَ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يَكُنْ لِي فِيهِمْ قَرَابَةٌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُهُ كُفْرًا وَلا ارْتِدَادًا وَلا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ ". قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، قَالَ: " إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ".
وما حدث في فتح مكة فيه من قيم التسامح والرحمة الكثير ومن ذلك: أمره للمسلمين أن يدخلوا مكة بروح الموادعة والرحمة والمسالمة بلا قتال. لقد كان ضمن الجيش الزاحف ما يُسمَّى بـ"الكتيبة الخضراء" أو "كتيبة الحديد" - وكان عليها "سعد بن عبادة" الذي أخذه شيء من الزَّهْو، فصاح: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحَل الحرمة، اليوم أذل الله قريشًا"، فغضب النبي- صلى الله عليه وسلم- وأعطى الراية لـ"علي بن أبي طالب"، وقال: " لا يا سعد، بل اليوم يوم المرحمة، اليوم تقدس الحرمة، اليوم أعز الله قريشًا بالاسلام..فنجد النبي في هذا الموقف يسحب الراية ممن يريد العنف والقسوة ويعطي الراية لمن يحفظ الحرمة.
ننتقل من هذه الصور التي تبرز المواصفات التي ارساها النبي وطبقها علي نفسه وكذلك حكمت اختياراته لقادته في الحروب الي الصورة المناقضة لذلك والتي اتفق علي وضعها الفقهاء وجعلت دفة القيادة للقوي الشجاع الفاجر مقدمة علي الضعيف الورع لتهدم منظومة القيم التي تحكم عدالة المعركة التي يخوضها القائد.
فقد اجتمع الفقهاء علي انه اذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة ; قدم أنفعهما لتلك الولاية: وأقلهما ضررا فيها ; فيقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع - وإن كان فيه فجور - على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أمينا....تصور عزيزي القاريء أن الفجور يعلو الامانة والورع فهل يختلف هذا عما جاء به ميكافيللي فيما بعد !!!!!.
اما حكمة هؤلاء الفقهاء فقد ساقها الإمام أحمد حينما سئل: عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو وأحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف مع أيهما يغزى ؟ فقال: إما الفاجر القوي فقوله للمسلمين وفجوره على نفسه!!! ; وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين فيغزى مع القوي الفاجر!!( والرجل الفاجر في مفهومهم يشمل من كان كافرا ومن كان فاسقا)ً،. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر. وروي بأقوام لا خلاق لهم }. ومن هذا الفهم الخاطيء بدأت مأساة فكر القيادة في الاسلام وللحديث بقية..
كاتب وباحث مصري
صيدلي وماجستير في الكيمياء الحيوية *