المشروع السري للإخوان بفرنسا
في عام 2005 نشر ما يسمى بالمشروع السري للإخوان في كتاب جاء تحت عنوان "فتح الغرب.. المشروع السرى للإسلاميين"، الذي أشار إلى أن السلطات السويسرية عثرت في منزل يوسف ندا على وثيقة جاءت تحت (نحو استراتيجية عالمية للسياسة الإسلامية، منطلقات وعناصر ومتسلزمات إجرائية ومهمات).
يكشف المشروع السري ومنطلقاته الإثنى عشر الاستراتجية الإخوانية في أوروبا، التي تعتمد على فكر حسن البنا، وتتبنى دعم الجهاد والحركات المسلحة فى العالم الإسلامي.
تحدثت الإستراتيجية التي كتبها القيادي الإخواني، محمد أكرم على اعتبار التكيف الذي قام به الإخوان مع المجتمع الغربي، وإنه بمثابة مناورة تكتيكية مصممة لطمأنة الخطاب الديمقراطي، ثم السيطرة، وهو ما أوضحه محمد لويزي، العضو السابق فى إخوان المغرب والذي يعيش في فرنسا، بأن الإخوان يتبعون أسلوب نسيج العنكبوت في نشر أيديولوجيتهم في أوروبا، وأنه للقضاء على هذا العنكبوت لابد من قطع رأسه في القاهرة ، أي المرشد العام.
قال كاتب الوثيقة: "لابد أن يستوعب الإخوان أن عملهم نوع من أنواع الجهاد العظيم في إزالة وهدم المدنية أو الحضارة الغربية من داخلها".
وقدم أكرم تصورًا تفصيليا لخطة عمل الجماعة: قائلًا إن الهدف الإستراتيجي العام لجماعة الإخوان هو إيجاد حركة إسلامية فعالة ومستقرة بقيادة الإخوان، تتبنى قضايا المسلمين محليًا وعالميًا.
جاء في الوثيقة التي تخطط للمستقبل الإخواني منطلقات عدة لتنفيذ هذا المخطط من بينها وأهمها المنطلق التاسع الذي يشير إلى البناء المستمر للقوة اللازمة للدعوة الإسلامية ودعم الحركات الجهادية في العالم الإسلامي بنسب متفاوتة قدر المستطاع، وفي الصفحة الثالثة تتحدث فى الفقرة بـ (مستلزمات إجرائية) من المنطلق الأول عن إنشاء مراكز رصد للمعلومات وتجميعها وتخزينها.
في الصفحة الرابعة بند بـ (مستلزمات اجرائية) تتحدث عن ضرورة تشغيل كل طاقات العاملين لخدمة الدعوة، وتفريغ العدد الكافي من الدعاة والقياديين، وتفعيل آلية مع المال وضبط أوجه صرفه، واستثماره للصالح العام.
أما في الصفحة «11» فقرة «ج» (مهمات مقترحة)، فتتتحدث عن عمل جسور اتصالات مع الحركات الجهادية فى العالم الإسلامي والأقليات الإسلامية ودعمها في الحدود وبالصورة الممكنة والتعاون المشترك معها.
تغيرت الأمور وأصبح تنظيم الإخوان كنجمة البحر، كلما قطعت لها ذارعًا تصبح الذراع الأخرى نجمة بحر مستقل جديدة، وتبدأ أخرى في النمو، وهكذا دواليك في تكاثر مخيف ولا نهائي، وفق اللويزي، في كتابه "لماذا انفصلت عن الإخوان المسلمين: عودتي المستنيرة إلى حضن إسلام لا سياسي"، الصادر عن دار ميشالون، سنة 2016، باريس.
يمكن شرح أنشطة الإخوان في أوروبا أنها تتكون من النموذج الذي وضعه حسن البنا، وهو يتكون من (الشمول، القدرة على التكيف والمرونة، قابلية التطبيق).
الاعتماد على فقه الأقليات والعنف
يعتمد الإخوان فى الغرب على ما يسمى "فقه الاقليات" وهو الذي على إنشاء بيئة إسلامية يعيش فيها المسلمون، لكن بشرط التماهى مع فهم الجماعة، لذلك فإنهم يستهدفون مختلف قطاعات السكان (الطلاب، النساء، الأطفال)، وينظمون كل الفعاليات (التربوية، الثقافية، الرياضية، السياسية) متبعين تعريف البنا للمنظمة، ونظرية القرضاوى للتكيف فى سياق الأقلية، وهو من سلط الضوء على أن الأقليات المسلمة عليها أن تكون فاعلة، وتتجنب الانعزال، وتوسع المجتمع عبر الدعوة، حيث يقول في كتابه (فقه الأقليات): يجب علينا أن نحافظ على وجود مجتمع إسلامي ذى أثر، في بلاد الغرب، باعتبار أن الغرب هو الذى أصبح يقود العالم، ولو لم يكن للإسلام وجود هناك، لوجب على المسلمين أن يعملوا متضامنين على إنشاء هذا الوجود.
وثيقة الإستراتيجية العالمية للسياسة الإسلامية أكدت على تطبيق المسار الإيجابي، لكنها ذكرت (إنه على الرغم من أن الاستخدام السياسي للعنف ضد الجائرين والطغاة، يعتبر واجبًا، فإن الإخوان فضلوا التغيير التراكمي غير العنيف القائم على المصلحة، وغالبا على أساس أن المعارضة السياسية ستختفى عندما تكتمل عملية الأسلمة، غير أنهم مستعدون لتأييد العنف عندما يكون التدرج غير فاعل).
نسيج الإخوان المعقد بفرنسا
هناك فئتان من الإخوان فى فرنسا، ينتمى للمجموعة الأولى كل أعضاء مختلف فروع الاخوان المسلمين فى الشرق الأوسط، التى وجدت فى الخمس سنين الأخيرة، فى مختلف البلدان الأوروبية، ويمثلون ما يسمى الرواد، وقد حافظت هذه الفئة على صلات وثيقة بالجماعة الأم في بلد المنشأ، ويقومون الآن بأدوار رفيعة المستوى مثل جمع الأموال، وتنظيم الفعاليات، والضغط على الحكومات، لأهداف دعم قضيتهم فى بلدانهم الأم.
الفئة الأخرى من الإخوان في فرنسا يمكن اعتبارها حلقة الوصل بين الإخوان المسلمين الخلص وفروعه الأوروبية، ويمثلها عدد من المنظمات التى تعمل ضد حكومات العرب، أو من أجل حقوق الإنسان، مثل مؤسسة قصة رابعة.
الإخوان المسلمين في فرنسا ليسوا حركة تراتبية رسمية أحادية البنية، بل هم نسيج معقد من المؤسسات والجماعات والأفراد، المنتسبين بعلاقات غير رسمية، تربطه أيديولوجية مشتركة، وتمنح هذه المرونة اللا مركزية الإخوان القدرة على المرونة والتكيف والتماسك والتعافي، كما تزيد من صعوبة إضعافهم، لأن طبيعة ومكونات النظام غير واضحة.
دعم قطر الإخوان بفرنسا
نقف قطر وراء تحركات كثيرة للإخوان بفرنسا، لأنها تعتبر الجماعة بوابة الدخول لبسط سيطرتها على الجالية المسلمة هناك، ومن ثمّ على المغرب الكبير.
خلال السنوات الاخيرة تلاحظ استقطاب قطر مسلمي الضواحي الفرنسية من خلال "صندوق الضواحي"، الذي أعلن عنه سنة 2012، ورصدت له مبالغ مهمة "لفك العزلة" عن شباب الضواحي الفرنسية، وهي المبادرة التي أثارت جدلاً واسعاً وسط النخبة الفرنسية حول دواعي وحيثيات الكرم القطري، لكن بالنسبة للعارفين بأهداف الدوحة فإن الأمر لا يتعلق بمكافحة فقر وبؤس الضواحي، بل بالسعي للهيمنة المباشرة على مسلمي فرنسا، واستغلالهم في خدمة قطر.
في اكتوبر 2008 وبتمويل من قطر احتضن المجلس الوطني الفرنسي اليوم الدراسي لتعليم اللغة العربية والتعريف بالثقافة العربية، ولإعطاء الصبغة الرسمية للحدث تم استدعاء وزير التعليم كزافيير داركوس.
كما في مستهل سنة 2009 أنشأت قطر (الاتحاد من أجل المتوسط) لتأطير مسلمي فرنسا عبر إنشاء تجمع للمنظمات الاسلامية على شاكلة لوكريف (اتحاد المنظمات اليهودية الفرنسية). ولتحقيق ذلك تم الاستعانة بخدمات امرأة شابة تدعى مليكة بنلعربي، وهي مستشارة بديوان وزير الداخلية بريس اورتفو، وتربطها علاقة قوية بسفير قطر بباريس.
كما استقطبت قطر مسؤولي اتحاد المنظمات الاسلامية الفرنسية المعروفة اختصارا بـ"لواف"، التابع للإخوان، والذي أعلن مؤخرًا استقلاله عن الجماعة، وتعتبره وزارة الداخلية الفرنسية الحلقة الرئيسية للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية.
حتى مسجد باريس المقرب من الجزائر, لم يسلم من هيمنة السخاء القطري، حيث تسلم 2 ملايين اورو سنة 2009 من المؤسسة الخيرية القطرية.
اليسار الفرنسي والإخوان
مع عودة اليسار إلى الحكم سنة 2012 الأمر لم يتغير، وكان وزير الداخلية مانويل فالس على علاقة طيبة مع القطريين. لكن لحسن الحظ هناك بعض الشخصيات القريبة من الوزير الأول جون مارك ايروت نظرت بارتياب لتنامي الدور القطري لدى مسلمي فرنسا، ومنها الجمعية الخيرية القطرية المنضوية تحت راية الواف وقامت بتمويل بناء مسجد "السلام" بباريس.
هوس قطر لا يشمل فقط الاستثمار في بناء المساجد بل امتد لاستقطاب النخب الكاريزمية الأوروبية مثل ماتيو كيدار، وهو الوافد الجديد على الساحة الإعلامية، من خلال كتابه الأخير، الذي يكيل فيه المديح للتيار الإسلامي، وكذلك رئيس تجمع مسلمي فرنسا، نبيل ناصري، الذي يعد حلقة وصل قطرية وسط المثقفين المسلمين.
نقلا عن "حفريات"