«أسرار العارفة».. اختراق مملكة الشيخة ناريمان - صور
لم تعد ولاية الطرق الصوفية مقتصرة على الرجال فقط، إذ تولت نساء «عارفات» إدارة الكثير من الطرق والساحات الصوفية، بعد أن اتخذن من الزاهدة الناسكة «رابعة العدوية» قدوة ومصدر إلهام فى نشر التصوف فى أرجاء البلاد.
من بين هؤلاء النساء العارفة بالله «ناريمان عبدالغفار»، شيخة الطريقة الأحمدية البدوية، «الموصلة للمعية الإلهية، التى تطعم الفقراء، وتعطف على المساكين، وتستقبل المريدين فى ساحتها من كل أنحاء مصر، وتغدق الأموال على المحتاجين، يحبها فقراء وأغنياء الصوفية، ويتقربون إليها، لعلومها ومحبتها لآل بيت النبى، لا يوجد فى قاموسها الكره أو البغضاء، والمحبة هى السمة السائدة فى روضتها وساحتها العامرة».. بهذه الكلمات تحدث مريدوها عنها، مشيرين إلى أن «سيدتهم العارفة خدمت التصوف الإسلامى وقدمت الكثير من أجل الدين».
وعلى الرغم من شهرة الشيخة ناريمان، إلا أنها لا تحب الظهور الإعلامى، لكن «الدستور» التقت بها وسط آلاف من مريديها وأتباعها.
شريفة الطريقة الأحمدية البدوية: «رابعة العدوية» قدوتى.. وعدد مريدىّ بالآلاف
قالت الشيخة ناريمان: «من يعمل عملًا خالصًا فليبعد عن الشهرة، ونحن فى خدمة آل البيت وأهل الصوفية وأولياء الله الصالحين: السيد البدوى والسيدة زينب وسيدنا الحسين»، مشيرة إلى أنه لا يشترط أن يكون الشيخ فى منصب رسمى حتى ينشر التصوف، فالتصوف أخلاق ومن زاد عنك فى الخلق فقد زاد عنك فى التصوف.
وأضافت أن طريقتها الصوفية هى الأحمدية البدوية، التابعة للقطب الصوفى الكبير أحمد البدوى، لافتة إلى أنها تعمل على نشر المنهج الصوفى الأحمدى من خلال لقاءاتها الدائمة بالمواطنين فى الموالد والاحتفالات فى كافة محافظات الجمهورية، وكان آخرها فى مولد السيدة نفيسة، مما جعل الطريقة تنتشر بشكل كبير، حتى وصل عدد مريديها إلى الآلاف فى جميع أنحاء مصر.
وأشارت «ناريمان» إلى أن قدوتها فى الزهد هى السيدة «رابعة العدوية» التى لم تكن مجرد صوفية زاهدة وناسكة فحسب، بل كانت ذات مشاعر جارفة وحب دافق لله وحده لا شريك له، لا يقيد حبها له أى رغبة أخرى، وكان حبها خالصًا عظيمًا لخصت معناه فى خطابها لكل إنسان: «أن نحب من أحبنا أولًا.. وهو الله».
وأضافت أن رابعة العدوية كانت تنظم شعرًا حسنًا أعانتها عليه مشاعرها الصادقة وقلبها الوجل المحب، فنظمت قصيدة هى الأشهر والأجمل فى ساحة التصوف والحب الإلهى، يعرفها الجميع وتتغنى بها القلوب قبل الألسنة.
وقال الشيخ سيد مندور، القيادى بالطريقة «السمانية الصوفية»، إن ظاهرة تولى النساء قيادة الطرق الصوفية انتشرت بصورة كبيرة خلال الفترة الأخيرة، لافتًا إلى أن السيدة رابعة العدوية هى قدوة النساء الصوفيات، فقد كانت تربى المريدين وتعلمهم محبة الله والتفانى والإخلاص لله عز وجل، وأضاف «مندور»، لـ«الدستور»، أن الشيخة ناريمان من أكبر العابدات الزاهدات من أهل التصوف، موضحًا أن الجميع يعلم قدرها ويعرف دورها فى خدمة أهل الله، إذ إن ساحاتها منتشرة فى جميع أنحاء مصر، وتظهر فى الموالد والاحتفالات التى تقام بشكل دورى.
أتباعها لـ«أمان»: تعلمنا التصوف على يديها.. وأبناؤها فى جميع الدول العربية
أوضح خالد الشناوى، من مريدى الشيخة لـ«أمان»: «وجدت فى هذه السيدة الشريفة ما يعجز اللسان عن وصفه، فوالله لم أرَ مثلما رأيت ولم أسمع الذى سمعت، ولم أعش فى خدمتها مثل الذى عشت، حيث رأيتها تطعم الطعام، وتقوم على خدمة أهل الله بنفسها، وتنفق ببذخ ليس له حدود على المساكين وعابرى السبيل، ووجدت النور مشعا من وجهها الشريف، ووجدتها وقد أعياها السهر على خدمة الطريقة، وتتابع إطعام الفقراء والمساكين وعابرى السبيل بنفسها».
وأضاف «الشناوى» أن الشيخة ناريمان تقدم التصوف الإسلامى الحقيقى بصورة مبسطة، جعلت الجميع ينجذبون إلى ساحتها وينصرفون عن الساحات الأخرى، خاصة أنها سليلة بيت النبوة، فهى من أشراف مصر، وهى حفيدة القطب الصوفى الكبير سيدى أحمد البدوى، وعلى ذلك فهى أهل لأن تكون العارفة الصوفية الكبرى فى مصر دون أن ينافسها أحد.
بدوره، قال محمد طاهر، أحد مريديها، لـ«أمان»، إن الشيخة ناريمان أنقذت الشباب من الجماعات الإرهابية والتيارات السلفية المتشددة، وذلك من خلال توعيتهم بمخاطر الانضمام لهذه الجماعات، والتأكيد الدائم على أن التصوف الإسلامى ومحبة آل بيت النبى السبب الرئيسى فى دخول الإنسان المسلم إلى المعية الإلهية والوصول إلى جنة الخلد بعد ذلك، خاصة أنها ترفض البدع والخزعبلات التى يمارسها بعض الشيوخ الذين شوهوا صورة التصوف الإسلامى.
وأضاف «طاهر» أن الشيخة ناريمان تفوقت على مشايخ الطرق الصوفية فى تواضعها وعدم تكبرها، لافتًا إلى أن الكثير من مشايخ وعلماء التصوف يرفضون مقابلة مريديهم أو الجلوس معهم، فى حين تقف الشيخة ناريمان مع المريدين فى وسط الحضرة، وتقدم لهم المأكولات والمشروبات بيدها الشريفة، مما يجعل المريدين يحبونها وينظرون إليها على أنها فعلا حفيدة المصطفى (صلوات الله عليه)، وهذا أمر يجعل المريد يتمسك بشيخه الذى رباه وعلمه.
وأوضح أن الشيخة ناريمان تجمع حولها المريدين، ليس من مصر فقط، ولكن من الدول العربية أيضًا، بعد أن ذاع صيتها شرقًا وغربًا، وجاء المريدون من جميع أنحاء العالم ليقبّلوا يدها وينهلوا من علومها ومعارفها التى جعلت العقول تتحير، خاصة مع الروحانيات الفياضة والمحبة الصادقة التى تقدمها الشيخة لمريديها وأتباعها الذين يتقربون إليها بشكل دائم، أملًا ورجاءً فى الوصول للمعية الربانية والحضرة الإلهية.
من جانبها، قالت رحمة محمد، إحدى مريدات الشيخة ناريمان، إن العارفة بالله تعامل المريدات داخل ساحتها على أنهن بناتها، لذلك تقوم على قضاء كافة احتياجاتهن، فالمقبلة على الزواج ولا تستطيع تدبير نفقاته تعطيها الشيخة من مالها الخاص حتى تكمل جهازها، مضيفة: «هذا إن دل فإنما يدل على الرحمة والمحبة النبوية الشريفة التى ملأت قلب هذه العارفة الموصلة إلى الله، التى جعلت أيامها كلها لله عزوجل دون البحث عن الدنيا أو ملذاتها، ولذلك تملكت هذه العارفة قلوب المريدين والمريدات».
فنانون وإعلاميون فى حضرة الشيخة.. و«الأعلى للصوفية»: الاختلاط ممنوع
لا يقتصر مريدو الشيخة ناريمان على الصوفية والمجاذيب والدراويش فقط، بل إن ساحتها يعرفها الكبير والصغير، ويحضر إليها إعلاميون وفنانون من أجل مصافحة الشريفة التى تشارك كل عام فى موالد الصوفية وآل البيت، وذلك داخل خيمتها الكبيرة، التى تنصبها فى كافة الموالد.
ومن الموالد التى تشارك فيها الشيخة ناريمان بصفة دائمة، مولد الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة والسيدة سكينة والسيد أحمد البدوى وإبراهيم الدسوقى، وينتظرها مريدوها فى موالد الصالحين بمحبة وفرحة عارمة، ويتزايد عددهم عامًا بعد عام.
وعندما يدخل المريد إلى خيمة ناريمان يشاهد خيمة مجهزة مثل شقة سكنية، يخدم بها عشرات الرجال والنساء، وعلى رأسهم الشريفة، التى تقوم بتحضير وجبات الطعام بنفسها، فهى تهتم بمطبخ الخيمة ونظافته والحفاظ عليه، وتطالب الغنى والفقير بأن يأكل من مطبخها، حرصًا على مبدأ إكرام الضيف.
ويأتى إلى خيمة الشيخة المريدون من كل أطياف المجتمع، ففى أحد الموالد جاء إليها وزير سابق، ويتردد عليها العديد من ضباط الشرطة المتصوفين ورجال الأعمال، فضلًا عن الدراويش والمجاذيب ومن يميلون يمينا ويسارا على صوت الذكر.
ويقول مريدو الشيخة ناريمان إن من أبرز الشخصيات التى تأتى إليها «الشيخ ياسين التهامى والشيخ أمين الدشناوى، والفنان عادل إمام، والفنانة يسرا، والفنانة شمس البارودى، وعددا من مشايخ الأزهر وعلمائه».
فى المقابل، يقول الشيخ محمد على عاشور البرهامى، شيخ الطريقة «البرهامية» عضو المجلس الأعلى للصوفية، إنه على الرغم من وجود بعض الساحات وبعض الطرق التى تديرها سيدات ويطلقن على أنفسهن لقب عارفات وشريفات، إلا أن المجلس الأعلى للطرق الصوفية، لا يعترف بهن ولا يتم إعطاؤهن أى ورقة أو مستند رسمى يدل على اعتراف المؤسسة الصوفية بهن أو بأنشطتهن.
وأضاف «البرهامى»، لـ«الدستور»، أن الطرق الصوفية يلزمها رجال أشداء قادرون على تحمل الصعاب، وأن النساء لهن أعمال أخرى غير تلك الأمور، لافتًا إلى أن أهل التصوف يرفضون الاختلاط بين الرجال والنساء، متسائلًا: كيف تصبح المرأة إذن شيخة لطريقة أو ساحة صوفية؟