رحلة «كوكب الشرق» من موالد أهل المدد إلى الإنشاد الديني
بدأت أم كلثوم مشوارها الفني بالإنشاد الديني وتلاوة القرآن الكريم، فى الموالد والإحتفالات الدينية والصوفية فى مصر، وكانت أبرز الموالد التى غنت فيها أم كلثوم «السيدة زينب والإمام الحسين والسيد البدوى»، الأمر الذى جعلها متيمة بمحبة الصالحين والأولياء، حتى تملكت الروحانيات منها، وإتجهت لغناء أكثر من قصيدة دينية، مثل «ريم على القاع بين البان والعلم، وقصيدة إلى عرفات،وسلوا قلبي، ووُلـــــد الهـــدى».
والحقيقة أن هذا الأثر ظل ناضحًا بارزًا في أدائها الفني طوال حياتها، وقد حير ذلك الكثيرين، فقد عاشت كوكب الشرق أكثر عمرها بغير تجربةٍ عاطفية حقيقية مما يكون بين الرجل والمرأة؛ تجربة تُبرِّر الثراء الروحي المذهِل لأدائها ونتاجها، وتُفسِّر حجم الأثر الوجداني الجمعي العميق والعابر لحدود الزمان والمكان.
قال عبدالرحمن أبوذكرى الباحث والكاتب الإسلامى، فى دراسة له عن كوكب الشرق أم كلثوم وعلاقتها بأهل المدد والرحانيات، إن أم كلثوم كشفت عن عمق العلاقة بين حبها للبشر وبين العشق الإلهي؛ وذلك عندما فُتِحَت مغاليق هذا السر، عندما حكت عن تجربتها الشخصية، مع الشيخ العارف بالله سيد حسين نصر وطريقته الصوفية، التى تعلقت بها أم كلثوم خلال مشوراها الفنى فى بداية حياتها، ونحن هنا لا نفترض بالضرورة أن أم كلثوم تجسيدٌ صوفي كامل أو دائم أو مثالي، بل أن تجربتها المبكِّرة كانت من العمق والثراء بحيث تركت أثرها غائرًا حيًا، بغض النظر عن طبيعة أعمالها الغنائية اللاحقة وحُكمها وتقييمها،فقد تجلى لي أنه إذا كان العروج إلى العشق الإلهي على درج الحب البشري يصنعُ تجربة حافلة ثرية، فإن التدلي من سماوات العشق الإلهي للتعبير عن الحب البشري يَكشِفُ عن آفاقٍ أغنى وأعماقٍ أقدس بالضرورة.
أضاف أبوذكرى قائلا، الحقيقة أن الحال التي تتسبَّب به أم كلثوم، لمستمعيها حالة صوفية بمعنى من المعاني، فهي جذبة كاملة، وحالة استلابٍ روحية لا تُفضي بك إلى شيء في هذا الوجود، برغم أنها تتغنَّى بعشقٍ بشري، بل قد يذوق هذا السُكر بعض من لم يمُرُّ بتجربة روحية أو عاطفية أبدًا، إذ يجد نفسه مسلوبًا في حالٍ لم يُجرِّبها من قبل؛ وقد لجأت أجيال من المصريين لتدخين الحشيش تحت تأثير هذه الحال «الكلثومية»، رغبة في إطالة أمدها وزيادة أعماقها، بدل أن يلجؤوا لتجربة روحية أو عاطفية حقيقية تُسكِنُ أرواح المعاني في مكابداتهم الحياتية.
من جانبه قال طلعت مسلم الباحث فى الروحانيات والتصوف الإسلامى، لـ"أمان" إن أم كلثوم بدأت بالأعلى في بِطانة والدها المنشِد ابراهيم البلتاجى، حيث بدأت من سماوات العشق الإلهي والإنشاد الديني؛ وإنتهت بالتغنّي بالعشق بين البشر بروح ووجدان المنشِد الدينى وهذا هو سر أثرها الكاسح.
ويضيف "مسلم" أن الشيخ أبراهيم البلتاجى، والد أم كلثوم كان دائم الذهاب لموالد وإحتفالات الصوفية،حيث أنه كان دائما يغنى فى حضرة المشايخ، الأمر الذى جعله كوكب الشرق، تتشرب الروحانيات والمحبة الألهية، خاصة أنها عندما إنتقلت إلى مصر كانت تذهب بصحبة والدها إلى مولد السيدة زينب والحسين، من أجل عرض موهبتها الغنائية على مجاذيب ودراويش السيدة.
وأضاف "مسلم" أن أم كلثوم إتجهت خلال مسيرتها الفنية، لغناء الكثير من القصائد الدينية التى جعلت الكثيرين يعشقون غنائها أكثر من قبل، مثل «ريم على القاع بين البان والعلم، وقصيدة إلى عرفات،وسلوا قلبي، ووُلـــــد الهـــدى»، فهذه القصائد كلها بينت الروحانيات التى عاشتها أم كلثوم فى بداية حياتها.