أمين «البحوث الإسلامية»: تجميد أكشاك الفتوى لتقييمها وليس لفشلها (حوار)
كشف الدكتور محيى الدين عفيفى، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، عن أنَّ الأزهر بصدد إعداد محتوى علمى مخصص للنشر فى الفضاء الإلكترونى يخاطب من خلاله أكبر عدد ممكن من الشباب، من أجل تحصينهم ضد مواجهة الأفكار المتطرفة.
وأعرب «عفيفى» عن رفضه الضجة التى أثيرت حول مقرات الفتوى التى افتتحت فى مترو الأنفاق، مشيرًا إلى أن الأزهر يبذل حاليًا جهودًا كبيرة من أجل تجديد الخطاب الدينى، وإعادة تأهيل الدعاة، بما يتناسب مع التحديات القائمة ومقتضيات العصر.
■ بصفتك الأمين العالم لمجمع البحوث الإسلامية.. كيف تقيم دوره فى الوقت الراهن؟
- نبذل جهودًا حثيثة فى مجال البحث العلمى، ويشهد المجتمع حاليًا تحركنا ونشاطنا من خلال دور وعاظ الأزهر، وتزايد دورهم الميدانى فى الفترة الأخيرة، ولا أقول ذلك من باب العاطفة، بل أحتكم لرأى المواطن، وتقييمه للتحركات الإيجابية للمجمع، بعيدًا عن الضجيج والشعارات الجوفاء.
■ هل ترى أن الأزهر مؤهل حاليًا لمواجهة الأفكار المتطرفة؟
- مؤسسة الأزهر لها باع كبير، وتجارب ممتدة على مر تاريخه الذى يبلغ ألف عام، ودوره يتنامى مع الوقت، خاصة فى هذه المرحلة الحرجة، ويزداد حضوره العلمى حاليًا، سواء على المستويات المحلية أو الإقليمية أو العالمية، وفى جميع المحاور التعليمية والدعوية والتثقيفية.
كما يضم الأزهر مجمع البحوث الإسلامية، وهو إحدى الهيئات الكبرى التى تقوم على البحث العلمى فى كل ما يتعلق بالشئون الإسلامية.
■ ما أبرز المجالات التى تركزون عليها حاليًا فى أنشطتكم؟
- افتتحنا فى السنوات الأخيرة عددًا كبيرًا من مقار الفتوى، فى جميع مدن ومراكز الجمهورية، وزودناها بالكوادر المؤهلة لإفتاء الناس، لتلبية احتياجاتهم فى مجال الفتاوى، وعملنا على الاحتكاك بين كوادرنا والواقع، بل تدخلنا أحيانًا لحل بعض المشكلات الأسرية، لأننا أثناء دراستنا جذور الإرهاب، وجدنا أنَّ شريحة كبيرة من المنخرطين فى هذه التنظيمات يُعانون مشكلات أسرية.
كما نركز على دور المرأة فى المجتمع، لأنه مهضوم، وهناك من ينظر إليها فقط من الجانب الشهوانى، دون أن يضع فى اعتباره أنها نصف المجتمع، وعانت على مدى فترات من الوأد النفسى ومحاولات التهميش، بحجة أنها عورة، ونحن نعمل حاليًا على إبراز الدور الإيجابى للمرأة، وبيان طاقاتها الحقيقية، والأدوار التى تلعبها فى المجتمع.
■ انتقد البعض افتتاح «أكشاك الفتوى» فى محطات المترو.. فكيف نظرتم إلى ذلك؟
- فى البداية أتحفظ على مصطلح «أكشاك الفتوى»، لأنَّ هذا مُصطلح سيئ، ولا يصح أن يُطلق على مكان يقدَّم فيه الرأى الشرعى، وكان من الغريب بالنسبة لنا أننا حين قررنا إنشاء إدارة فتوى فى إحدى محطات المترو قامت الدنيا ولم تقعد، كأنَّ مشكلات الوطن كلها قد انتهت، ولم تتبق إلَّا مشكلة مقر الفتوى، وكانت النتيجة أننا قررنا تجميد المشروع بعد فترة.
■ هل يعنى هذا أن الفكرة فشلت؟
- لا، فالتجميد لم يكن على خلفية الفشل، ولتقييمه يُسأل كل مواطن ممن كانوا يترددون على هذا المكان، كم وفَّر لهم هذا النشاط من خدمات، وبعيدًا عن ذلك، فإن جهودنا لا تقف عند مكان واحد، مثل محطة المترو، بل نخطط للانتشار فى كل شبر من أرض مصر، فكلها ميادين عمل من أجل تحصين المواطن، ودعم جهود الدولة فى مواجهة الإرهاب، ونعمل وفق رؤية منظمة لا عشوائيًّا، ونتحرك على الأرض بعيدًا عن التصريحات والشعارات، التى لا تحترم عقول المواطنين.
■ ماذا عن دوركم تجاه الشباب؟
- يُجرى حاليًا تدريب وتأهيل وعاظ الأزهر على التعامل مع الفضاء الإلكترونى، والاستفادة من غير الأزهريين فى مجال التقنيات الحديثة، لتعلم آليات توظيف المحتوى، والتدرب على اللغة والأسلوب والإخراج المناسب، فنحن مهما خاطبنا الناس ميدانيًّا، فلن نصل إلى الجميع، خاصة الشباب، لأن الشريحة الأكبر والأعمق منهم تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعى، وبالتالى لم يعد ممكنًا أن نغفل عن هذا المجال، فعرض فيديو قصير لمدة دقيقة، أو حتى نصف دقيقة، يُمكنه أن ينقل رسائل مهمة للشباب.
■ كيف تخططون للتعامل مع العائدين من المنظمات الإرهابية؟
- الأزهر مستمر فى عملية حصر الشبهات والأفكار، التى يتم من خلالها غزو عقول الشباب، ونعمل حاليًا على آليات تفكيكها، والأزهر بصدد إعداد محتوى علمى، يتعلق بهذه القضايا، بأكثر من شكل، منها الورقى، والإلكترونى، كى يُلبى احتياجات المواطن.
وكما قلت سنزيد من الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعى، للوصول إلى من لا يجدون وقتًا لقراءة الكتب، كى يحدث التناغم بيننا وبين الرتم السريع للحياة اليومية، فالفضاء الإلكترونى يحتاج إلى استثماره والتركيز عليه، وتسويق المحتويات العلمية عبره، كى ننجح فى تحصين المجتمع، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، للحفاظ على عقول الشباب.
وفى رؤيتنا لهؤلاء الشباب وجدنا أن كثيرًا منهم يعادى أشياء يجهلها، ونعمل حاليًا على كشف هذه الجوانب، دون ممارسة الضغط أو الوصاية، مع إعطاء الشباب حرية الاختيار، حتى يصلوا إلى مرحلة مراجعة المواقف الفكرية، لأن الضغط الفكرى على بعض الناس قد يؤدى إلى حالة من العناد والتشبث بالأفكار.
■ يتقاطع هذا الدور مع مسألة تجديد الخطاب الدينى.. فهل من جهود جديدة فى هذا المجال؟
- تجديد الخطاب الدينى، مسألة مهمة جدًا، لأن هناك تحديات كثيرة على أرض الواقع، وما كان يمكن طرحه فى عقود ماضية لم يعد ممكنًا الآن، فلا بد من حدوث تغييرات فى اللغة نفسها وفى الأسلوب، فنحن فى حاجة إلى قضايا تلامس واقعنا المعاصر، مثل مشكلة زواج القاصرات، وأزمة القيم، والتدين الشكلى، وبحاجة إلى تطبيق الإسلام كسلوك حى وليس مجرد ديكور.
كما ينبغى أن يتبنى الخطاب حق الاختلاف واحترام الآخر، ويواجه الفكر الذى يكفر الدولة ومؤسساتها ويستحل قتل رجال الجيش والشرطة، ويتجاهل مقاصد الشريعة، وحرمة الدماء، فالجهاد له مفاهيم وضوابط، وهو رد للعدوان، وليس قتل وتفجير الناس بحجة أنَّ النظام كافر.
نقلًا عن جريدة الدستور