هموم المواطن المصرى
ولكن هذا الرغيف، لم يكن أبدا حرا، كان وظل مقيدا بقيود الدولة والروتين الحكومى لجل وصوله إلى الشعب . وفشلت كل الحكومات السابقة فى توفيره وإتاحته لكل الناس، ليكون تحت يدهم عندما يريدونه، وقيدته ببطاقات، وأصبحت طوابير الخبز هى الأهم والأطول والأكثر استمراراً.
يحكى أن أحد آلهة المصريين القدماء، أرد أن يكافئ شعبه، فقرر أن يجمع همومهم، كلها ويضعها فى مكان واحد، وطلب من مواطنيه، أن يختار كل منهم الهم الذى يعجبه، فذهبوا جميعا إلى مجمع الهموم، ووجد كل واحد منهم، يتجه تلقائيا إلى همه الخاص، الذى كان معه ويختاره بعينه دون غيره من الهموم الأخرى.. ولما سأل أحدهم: لماذا اخترت همك، ولم تغيره.. أجاب لأننى عاشرته، وتعودت عليه، وهو أخف من الهموم الأخرى.. المواطن المصرى، عندما يتذكر همومه قبل ثورة 25 يناير 2011، سيجد أنها كانت محصورة فى ثلاثة أمور: أولاً: سوء مستوى المعيشة.. ثانياً: معاناته مع الروتين.. ثالثاً: خوفه من بطش الحكومة.
كانت تلك الأمور تقلق المواطن المصرى، ويفكر فيها ليلا ونهارا، فقد كان الخوف من الفقر هو الهاجس الأعظم لكل الناس، وكان كل ما يشغل المواطن المصرى، هو تأمين لقمة العيش والسكن لنفسه ولأولاده. وفى سبيل ذلك، ارتكب ضعاف النفوس، جرائم الرشوة واستغلال النفوذ، وتضاعفت تلك الجرائم لتشمل الوزراء وكبار المسئولين. وأصبح المواطن العادى البسيط ينظر إلى تلك الأمور بحقد وغل وغيظ، فهو يريد أن يتطلع إلى مستوى أفضل، بسبل شريفة ونظيفة. ولكنه لا يجد آذانا صاغية لهمومه، وقتها كانت هموم الطبقة الحاكمة والنظام هى أن يؤمنوا فكرة التوريث لاستمرارهم فى السلطة.
وقت أن كان هم كل المواطن هو الحصول على الخبز، وكان هذا الخبز هو آخر اهتمامات حكامه. ينظر المواطن المصرى إلى الخبز نظرة أخرى، فالخبز فى نظره هو الاستمرار، والأمان من الجوع، ومع ذلك, ولا اكون مبالغا إذا قلت أن مشكلة الخبز كانت الهاجس الأكبر لكل حكومات وأنظمة الحكم، على مدى ستين عاما وأكثر.وأذكر أن خطب الرئيس جمال عبدالناصر، كانت لا تخلو من الحديث عن الخبز وتأمينه، وهو القائل: إن حرية رغيف الخبز هى الضمان الحقيقى للديمقراطية .
ولكن هذا الرغيف، لم يكن أبدا حرا، كان وظل مقيدا بقيود الدولة والروتين الحكومى لجل وصوله إلى الشعب . وفشلت كل الحكومات السابقة فى توفيره وإتاحته لكل الناس، ليكون تحت يدهم عندما يريدونه، وقيدته ببطاقات، وأصبحت طوابير الخبز هى الأهم والأطول والأكثر استمراراً.
يبدأ المواطن المصرى يومه، بعد أن يفتح عينيه على يومه الجديد، بكيفية الحصول على كمية الخبز اليومية، التى حددتها له ولأولاده، بموجب البطاقة أو الكارت.
وعندما يتأخر قليلا سيجد نفسه فى نهاية الطابور، فيكتئب، لأنه يعلم أن كمية الخبز قد تنفد من الفرن قبل أن يصل إليها وبالتالى سوف لا يجد، ويعلم أيضا أن الخبز سيذهب طعاما للمواشى بثمن أعلى، ويعلم أيضا أن هناك ثمة تواطؤا بين صاحب المخبز ومفتش التموين المعين فى المخبز، لأجل أن يكون الخبز غير صالح للاستخدام الآدمى، وبالتالى سيحجم الناس عن أخذه، فيذهب للبيع بسعر أغلى لأصحاب حظائر المواشى والفلاحين لإطعام مواشيهم بدلا من النخالة والتبن. والغريب أنه كل بضعة شهور يجد المواطن نفسه مطالبا بتحديث بياناته لدى إدارة التموين، وتحديث البيانات يشمل تقديم صورة بطاقة وصور لشهادات ميلاد أولاده وقسيمة الزواج، ويجد مضطرا لتعطيل نفسه لتصويره أو وضعها فى ملف لتقديمها لمفتش التموين فى المخبز، ثم يكتشف بعد أيام أن بياناته تتطاير فى الهواء فى صندوق الزبالة بالقرب من إدارة التموين.
■ خبير أمنى