المخرجة عبير على: أنا امرأة مهمشة اخترت أن أعبر عمن يشبهنى
عبير على حزين.. مخرجة مسرحية ودراماتورج وسينوجرافر، ومؤسسة «مختبر المسحراتى المستقل» منذ عام ١٩٨٩، واسمها فى أفيش العرض المسرحى هو ضمان للجودة والجدية، فلها تاريخ طويل من العمل المسرحى على مشروعها فى التأريخ الاجتماعى الشعبى عبر المسرح، بما تجمعه من مصادره الشعبية المتعددة، ثم تعيد نسجه كـ«غزّالة ماهرة» فى عروض فيها من الاسترسال والتناسق والجمال الكثير.
عبير على ليست مجرد فنانة مسرحية، فلها دور كبير فى تحسين بيئة العمل فى المجال الثقافى العام، ولها إسهامها فى تطوير المسرح المصرى، والمسرح الحر على وجه الخصوص، سواء عبر التدريب والتكوين المسرحى، بمشاركتها فى بناء قدرات المئات من فنانى الأقاليم خلال العشرين سنة الماضية، من الذين صاروا جميعهم يدينون لها بالفضل فى تكوينهم الثقافى والجمالى، أو عبر مشاريعها التى نفذت بالتعاون مع مؤسسات الدولة أو المجتمع المدنى.
صممت عبير على، الديكور والملابس مع كتابة وإخراج أكثر من ٢٥ عرضًا مسرحيًا، وصممت كثيرًا من برامج التدريب، ودربت على حرفيات الحكى والمسرح وبناء وإدارة المؤسسات المسرحية، وحكّمت فى كثير من المهرجانات والمسابقات، كما حصلت على العديد من الجوائز والتكريمات المحلية والدولية.
■ بداية.. ما الذى يميز مسرحك عن غيره؟
- أنا امرأة مهمشة بحكم النوع، تعمل فى مجال مهمش كالمسرح إذا ما قورن بسواه من المجالات الفنية، وتختار أن تعمل مخرجة ودراماتورج، لا ممثلة تحت الأضواء نسبيًا، ثم تختار المسرح المستقل الذى هو هامش الهامش فى المسرح، ونادرًا ما أخرج عروضًا مسرحية عن نصوص جاهزة، لكن أغلب عروضى مُعدة بحرفية الدراماتورج عن حكايات البيوت وحكايات الحياة اليومية أثناء الأحداث الكبرى، فهى حكايات الناس العادية، فى مطابخهم وحجرات نومهم، وليست حكايات الزعماء والقادة.
وعروضى عادة ما تكون بالعامية المصرية بقرار واعٍ منى، ومن منطلق فهمى ودراستى للفلكلور والتعريفات المختلفة للثقافة والمنتج الثقافى، فأنا أيضًا مشغولة بالفلكلور بصفته المنتج الإبداعى والتاريخ الذى ترويه الشعوب.
مشروعى المسرحى اعتمد على عمل مسرح يستمد أفكاره ومادته من الموتيفات الجمالية المحلية وطزاجة وحيوية الحياة اليومية والتاريخ، وعلى تطوير حرفيات الكتابة والتمثيل وعلى كسر المركزية الثقافية.
■ كيف أثرت البدايات فى مسيرتك الفنية؟
- البدايات دائمًا لا تكون واضحة ولا محددة الأهداف، فأنا ابنة السويس، التى خرجت منها مهاجرة فى سن السادسة بعد حرب يونيو ٦٧ على غناء آلة السمسمية وأغانى ولاد الأرض «فات الكثير يا بلدنا ما بقاش إلا القليل»، ابنة لأب صعيدى من قنا، حيث تتجلى احتفالات وطقوس وفاء النيل وشم النسيم ودورة الحياة، الميلاد والزواج والموت، والمراثى والعديد.
تربيت على النوم فى «حجر جدتى» وهى تغنى لى حكايات من القصص الدينى وسيرة أبوزيد الهلالى، وكانت أخوات جدتى يرتجلن شعر الفصحى شفاهة، وحكت لى أمى أن أبناء أخوالها وخالاتها كانوا فى الأعياد يقيمون سرادقًا ومسرحًا، وكان الأولاد يمثلون أدوار البنات، فغير مسموح للبنات بالتمثيل، والقصص كانت دينية فقط، وكان ذلك ما يحدث فى قرية أهل أمى وهى «تطون» بالفيوم فى بدايات القرن الماضى.
لذا فبدايتى مع المسرح صدفة، وعندما دخلت كلية فنون جميلة طاردنى سؤال: كيف أمارس الفن وأستمتع به وفى نفس الوقت أتقاطع مع احتياجات المجتمع؟، وكانت الإجابة هى المسرح.
■ متى بدأت تجربتك الخاصة مع تقنيات الحكى المسرحى والشعبى؟
- بعد تعيينى بمسرح السامر لم يُسند لى أى عمل، فتقدمت بمشروعى الخاص وأخرجت وصممت ديكور أول عروضى «الشاطر حسن» فى نوادى المسرح، وحصلت على جائزة، وتم الاعتراف بى.
وفى «الشاطر حسن» بدأت تجربتى مع تقنية الحكى وإطار السامر الشعبى، وحينها أردت أن أخرج بمسرحى للعالم ولجماهير مختلفة، ليس فقط للنقاد والنخب، فكونت فرقتى «مختبر المسحراتى» فى عام ١٩٨٩، وحلمت أن أجوب بها مختلف أنحاء مصر، واخترت صيغة «المختبر»، لأننى أرى أن مفهوم الاحتراف وبناء القدرات الإبداعية وتطويرها المستمر هو عصب الاحتراف فى التجربة الفنية.
ولم تكن تدريبات «المختبر» مجرد حرفيات تمثيل وأداء، ولكن كانت حفظ الموروث الغنائى المصرى، وحفظ أشعار فصحى وعامية فؤاد حداد وصلاح جاهين وعبدالرحمن الأبنودى وصلاح عبدالصبور، مع جمع الرقصات الشعبية والشعر الشعبى كأشعار ابن عروس والحكم والأمثال.
وفى الكتابة كذلك اعتمدت صيغة الورشة، وعملنا على جمع حكايات الحياة اليومية وأحداث الجرائد والحكايات الشعبية ومشاهدة الأفلام، وترشيح الروايات وأى مواد تكون لها علاقة بموضوع العمل المسرحى الذى ننوى تنفيذه، كما بحثت عن مفهوم المسرح الشعبى: هل هو أشكال وتقنيات فنون الأداء المتوارثة التى تمارس فى الموالد والاحتفالات والطقوس أم النصوص الشعبية غير معلومة المؤلف؟ أم هو استلهام كل ما سبق؟
وتوازى مع هذه التساؤلات تماس مع تجارب ومشروعات مسرحية محترفة درج التعبير عنها بأنها تجارب مسرح شعبى، ومنها تجربة «مسرح السرادق»، الذى أسسه الراحل الدكتور صالح سعد، الذى انحاز لـ«مسرح السامر» بعيدًا عن المسارح الفخمة التى يخشى العامة ارتيادها، ثم تجربة المخرج أحمد إسماعيل فى الإبداع الجماعى على حكايات البيئة المحيطة، ومع المخرج اللبنانى روجيه عساف والإبداع الجماعى والكتابة عن التاريخ، وكل تلك التجارب والتساؤلات كانت دوافعى الأساسية لدراسة دبلومة الفلكلور.
■ حاولت نقل أفكار مشروعك الثقافى الخاص إلى عدة جهات.. فما أهمها؟
- أنشأت «مدرسة العرائس» بالمركز الثقافى الروسى فى منتصف تسعينيات القرن الماضى، واعتمد المشروع على جمع الحكايات الشعبية وتحويلها لنص مسرحى عرائسى، ثم التدريب على تصنيع العروسة وتحريكها.
وفى خطوة تالية، تقدمت بمشروع «مراكز التدريب المتخصصة»، الذى نفذ بالثقافة الجماهيرية، أو هيئة قصور الثقافة، واعتمد على اختيار المواقع النشطة فى أحد الأنواع المسرحية وتحويلها إلى مراكز متخصصة فى هذا النوع.
وبعدها صممت برنامج تدريب سنويًا لرفع وبناء قدرات الكوادر الفنية بعدد من المراكز الثقافية، منها مركز أبوقرقاص، ومركز بنى مزار للظواهر المسرحية الشعبية، ومركز الفيوم للعرائس، ومركزا بورسعيد والمحلة للتعبير الحركى.
وفى عام ٢٠١١، كان مشروعى «مسرح الشارع»، وهو برنامج لتدريب فنانى الأقاليم على تقنيات مسرح الشارع من ارتجال وبانتومايم وأراجوز، وتكونت ١٠ فرق «مسرح شارع» فى ١٠ محافظات، وبدأت تقديم عروضها فى أسواق القرى والمدارس.
وأخيرًا، جاء مشروع «نواة»، للتدريب على حرفية الكتابة والإخراج والتمثيل، لتكوين أنوية فرق مسرحية للمسرح المجتمعى فى ١٣ محافظة.
■ ما أهم الموضوعات التى تحرصين على تناولها فى مسرحك؟
- تناولنا العديد من الموضوعات الاجتماعية التى تخص الرجل والمرأة، وحين تناولنا المرأة فى عروضنا تعرضنا للموقف المزدوج من المرأة فى المجتمع، والفصام لدى المرأة ورؤيتها المزدوجة لذاتها، وكان كثير ممن حولى من الرجال يتساءلون باستفزاز: «إنتى عايزه إيه بعروضك دى؟»، والبعض الآخر اعتبرنى مبدعة نسوية، وتحديدى فى هذا الإطار كان يشعرنى بالإهانة.
■ لماذا ترين اعتبارك مبدعة نسوية «إهانة»؟
- لأنى ضد هذا النوع من التصنيف، وقد نسقت لمهرجان المخرجة المسرحية بقصور الثقافة دورتين، من منطلق إلقاء الضوء على المخرجات النساء وطرح إنتاجاتهن للخطاب النقدى، وأنا الآن مديرة مهرجان «إيزيس الدولى لمسرح المرأة»، لكنى أؤكد أن صنع تلك الفعاليات يهدف لدعم وتطوير إبداع النساء وليس الإبداع النسوى، فهناك فَرْق.
وأنا أنتمى لمفهوم الإبداع الإنسانى، أما حساسيات الجغرافيا والطبقات والنوع فتعنى عندى البصمة الخاصة للمبدع، ونحن جميعًا كمبدعين، رجالًا ونساءً، نعانى من عدم توافر الدعم الكافى للثقافة وعدم الاهتمام بالمسرح، لا من الدولة ولا من رجال الأعمال، فدور العرض قليلة وغير مجهزة، ولا يوجد إقبال على الإنتاج المسرحى، فهو صناعة ثقافية ثقيلة غير مدرة للربح.