مرِّينا: نوافذ تطل على المسرح الذى اشتقنا إليه
فى جاليرى «تخشينة»، بمعهد جوته، ذهبت لأعاين المعرض الثانى الذى تقيمه المخرجة منال إبراهيم لتعرض فيه تذكارات وصورًا من عروض مسرحية تمت خلال الفترة من أواخر الثمانينيات وحتى ٢٠٠٥.
كان مرورى بالمعرض ليس مجرد مرور بل اجتياز صعب وممتع لممر النوستالجيا/ الحنين لمسرح افتقدناه كثيرًا، ولأيام ظننا أننا غادرناها لكن فيما يبدو أنها لم تغادرنا.
مررت من هنا وحيدًا، مررت مع آخرين لكننا حتمًا تقاطعنا فى لحظة.
سواء كنت بين الجمهور: ستذكر حين التقت نظراتنا الفزعة من هول المشهد، تذكر كيف انسجمت إيقاعات دقات قلوبنا فى مشهد حب رائع، وحين وقفنا جميعًا بإجلال وأكفنا تصفق فى ذات اللحظة لفرقة انتهت للتو من تقديم عرضها.. أو كنت فى الكواليس؟ تحرك الديكور.. تنتظر دورك، تنظم دخول الممثلين، تنتظر مشهد الفينال لتفتح ماكينة الدخان، أو كنت ممثلًا فوق الخشبة؟ تؤدى مشهدك: لقد قتلت فى هذا المشهد أتذكر؟ ثم وقفت فى التحية بجوار قاتلك يدك فى يده تحيى الجماهير، أيًا كان موقعك بين الجمهور.. فى الكواليس.. فوق الخشبة.. حتمًا لقد مررت من هنا.
معرض مرينا هو مبادرة من المخرجة منال إبراهيم لتوثيق مسرح جيل التسعينيات وعلى وجه الخصوص حركة المسرح الحر.. تنظر منال إلى تاريخ كبير من كفاح جيل كانت له خصوصية فكرية، وكان واعدًا وكان مخيفًا فى ذات الوقت لأجيال سبقوه، لم يفسحوا له مجالًا ليحتل مكانًا يليق به.. فانفرط عنقوده تاركًا تاريخًا متناثرًا كحبات لؤلؤ فى قاع مظلم.. أرادت منال أن تلملم هذا التاريخ فى عدد من المعارض المتوالية.. أرادت أن تضع أمام أعيننا معالم مررنا بها فى طريقنا.. معالم تذكرنا.. لقد ضحكنا هنا.. لقد بكينا هناك.. انفتح الباب على مصراعيه هنا.. وانغلق فى وجوهنا هناك.. عرض مر بسلام وآخر لم يكتمل.. إنه تاريخ المسرح الذى لا يعرفه أحد.
خرجت من المعرض وأنا محملة بالكثير من المشاعر المتناقضة والمرتبكة حول هذا التاريخ المنكر والمهمش للمسرح المصرى، ومنشغلة بالعديد من التساؤلات: لماذا جهودنا شحيحة فى توثيق المسرح؟، ما دور المركز القومى للمسرح؟ ولماذا لا يتم تطويره وتمكينه ورفع ميزانياته وبناء قدرات العاملين به؟ ولماذا لا تتضافر الجهود بين مؤسسات البحث العلمى المسرحية والمركز القومى للمسرح حتى تكون لدينا مؤسسة مهيئة وقادرة على مجاراة حركة مسرحية ممتدة جغرافيًا فى مختلف أنحاء دولة بحجم جمهورية مصر، وممتدة زمنيًا فى التاريخ إلى ١٧٩٨م؟.
إنه لمحزن أن نعاين يوميًا دولًا تاريخها الفنى لا يقارن فنيًا ولا تاريخيًا بمصر، تتباهى به وتستعرضه وتسوقه.. بينما نحن ننكر تاريخنا ونهمشه.. أو نحوله لكتب مكدسة فى المخازن.
وإلى أن يحدث هذا أدعو زملائى المسرحيين من كل قطاعات المسرح، وسأبدأ بنفسى، بمد المخرجة منال إبراهيم بالمادة الفوتوغرافية والفيديوهات المتوافرة لديهم للفترة من ١٩٩٠- ٢٠٠٥، فلربما فتحت لنا شبابيك إضافية ننظر عبرها على تاريخنا المسرحى فنبتسم ونحن نتذكر أننا حتمًا مررنا هنا.