افلام ذات أثر في اسوان
لم يفقد مهرجان اسوان بوصلته منذ دورته الاولى
فهو يدرك منذ نشأته الى اين يسير و لمن يتوجه
و هذا ما تحدث عنه رئيس مهرجان اسوان السيناريست ( محمد عبدالخالق ) بعد عروض برنامج ( أفلام ذات أثر ) و الذي استحدثه مهرجان اسوان في دورته السادسة .. فالمهرجان يطور من نفسه عاماً بعد عام و يستكمل تيمته التي بدأها منذ دورته الاولى و هي ( تيمة المرأة ) أي كل ما يعنيها و يشغلها .. وعبر البرنامج المستحدث بصدق عن ماهية مهرجان اسوان و أصاب الهدف الحقيقي الذي أسس المهرجان من أجله منذ ستة سنوات
فمهرجان أسوان يناقش سنوياً قضايا المرأة باختلاف تنوعاتها و ما تعانيه المرأة من مشكلات
في مختلف المجتمعات الشرقية و العربية بل و عالميا فما تعانيه المرأة و تواجهه من مشكلات ليس أمراً مقصوراً على الشرق وحده
ربما تزداد المعاناة لظروف شتى لكن مشكلات المرأة و معاناتها و العنف و الاقصاء و التصنيف الذي يمارس بحقها هو في حقيقة الامر ظاهرة عالمية يعتقد البعض ان لها علاقة بالشرق وحده و رسخ الاعلام و دعايته و رسخت كذلك السينما الموجهة نفس الامر و أسهمت صيغ الانتاج المشترك لسنوات في الترسيخ لتلك الفكرة في حين تكشف سينما الحقيقة ( الافلام التسجيلية و الافلام التي لا ترعاها جهات تمويل و انتاج لها اجندتها الثقافية و السياسية ) ان الامر ليس مقصوراً على الشرق وحده و ان العنف و التمييز ظاهرة عالمية -يظل الشرق يعاني منها اكثر - و لكنها ظاهرة عالمية
لذلك حرص المهرجان و منذ دورته الاولى ان يكون مهرجانا عالمياً و ليس مهرجاناً محلياً او حتى عربياً ليتاح لنا جميعا الاضطلاع على ما تنتجه المراة و ما ينتج عن المرأة في العالم كله و بالتالي ما تعانيه المرأة و ما يشغلها هنا و هناك
و بما ان العالم العربي كان له نصيب الاسد (اعلاميا ) من مشكلات تتعرض لها النساء .. حرص مهرجان أسوان لسينما المرأة منذ ثلاثة دورات على اصدار تقرير سنوي يرصد صورة المرأة في السينما العربية هذا الى جانب فعاليات منتدى نوت لقضايا المرأة و الذي يتزامن سنويا بل و يعد من الفعاليات الرئيسية للمهرجان و تعقد من خلاله مناقشات و ندوات تخص قضايا المرأة و تصدر عنه توصيات و تحضره ناشطات و حقوقيات لهن علاقة بقضايا المرأة و حقوقها
و أصدر المنتدى في عام ٢٠٢٢ وثيقة ( الحماية ضد الاستغلال الجنسي )و التي للمراة فيه و بطبيعة الحال نصيب الاسد
و نظراً لكل ما سبق استحدث المهرجان هذا العام البرنامج الخاص بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي التي تقدم من خلاله جائزة تشجيعية لمبدع صنع فيلم له أثر .. و عرض من خلال هذا البرنامج 8 افلام من مصر و خارجها و حضرت العروض وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتور نيفين القباج بنفسها و كرمت في الصباح و قبل تلك العروض المسائية أبرز الشخصيات النسائية و اكثرها تأثيراً في اسوان ثم عقدت جلسة بحضور الوزيرة تحت عنوان ( جلسة الوعي و التغيير المجتمعي ) و بالفعل و بشكل تراكمي يزداد الوعي و نرصد جميعا ذلك و يرصد مهرجان اسوان لسينما المرأة ما يحدث في مصر و العالم و المجتمع الاسواني من تغييرات في الاتجاه الصحيح .. و قالت احدى فتيات اسوان و هي المخرجة الاسوانية الشابة (أسماء يعقوب )و التي تخرجت في الورش التي ينظمها المهرجان سنويا لتعليم السينما و هي حاليا احدى خريجاته ( كانت علاقتنا بالسينما قبل المهرجان إننا كنا بنتفرج عليها بس )
وتلخص هذه الجملة التلقائية من الفنانة التلقائية التي اصبحت مخرجة و مبدعة محترفة ما نود قوله و ما يهدف اليه المهرجان بل و ما جُعل من أجله هذا المهرجان .. فقد وصلت فتيات اسوان بأفلامهن التي أنتجها لهن مهرجان أسوان لمهرجان قرطاج و غيره من المهرجانات الكبرى و شاركت افلام الورش التي تخرج اصحابها في ورش المهرجان في مهرجانات عديدة خارج مصر و حصدت جوائز و كل ذلك ما كان ليحدث لولا وجود المهرجان و الذي فتح نافذة و كان متنفساً و مكانا ليس فقط لمشاهدة الافلام وتربية الذائقة بل اصبح مكاناً لتعلم فن السينما و اصبح رواده و جمهوره من صناع الافلام
و عرض في اطار برنامج ( سينما ذات أثر ) فيلم ( المخاض ) و يتحدث عن تجربة ٤ فتيات من بلدان مختلفة و طريقة كل منهن للوصول لهدفها و حريتها من منظورها الخاص و وفق سياقها ووفق ظروف و معطيات مجتمعها و ما واجهته و ناضلت من اجل الوصول إليه.. و ظهرت في الفيلم فتاة من مصر قررت العيش بمفردها و واجهت -بمفردها - معارضة من الاهل و نظرة المجتمع السلبية للفتاة التي تعيش بمفردها .. كذلك استعرض الفيلم حكاية فتاة من فلسطين وجدت حريتها و تعبيرها عن نفسها من خلال الموسيقى و اخرها من اوروبا و عانت ايضاً وفقاً لسياقها و اخرى من لبنان .. ٤ فتيات لكن منهن قصته و سياقة و ظروفه و طبيعة المجتمع التي تعيش فيه
أما فيلم ( أبواب مكة ) و يتحدث عن القائدة الصعيدية الأسوانية التي طرقت ابواب جميع بيوت أسوان و ساعدت النساء في كل مناحي الحياة من استخراج بطاقة الرقم القومي لتنظيم النسل لحل النزاعات الاسرية للكشوف الدورية و الرعاية الصحية لنساء المدينة فلا يوجد بيت في اسوان لا يعرف الحاجة ( مكة ) التي تعاونت معها كافة الجهات الرسمية و الأهليةالمعنية بشئون المرأة من أول المجلس القومي للمرأة و انتهاءً بلقائها بالرئيس عبدالفتاح السيسي و تكريمها من جهات عديدة بل و كرمها المهرجان في إحدى دوراته و التقتها وزيرة التضامن الاجتماعي هذا العام .. و فيلم ( انا نوبي ) و يتحدث عن نوستالجيا الاجداد عن النوبة التاريخية .. فيلم صنعته الحفيدة النوبية المخرجة الشابة التي تعيش في أسوان و تعلمت تقنيات السينما و حرفتها في ورش المهرجان و فيلم ( قصتها ) و الذي يروي قصص لاربع فتيات كل منهن لها معاناتها مع المجتمع فواحدة عانت من الاجهاض و الاخرى من المعايرة بعدم الانجاب و القبول بالزواج تحت منطق وثقافة ( ضل راجل ) و اخرى عانت من جريمة الختان و اخرى من تدخل والدة العريس في شأنهم الخاص و تأكدها من عذرية الفتاة ليلة الزفاف !
كل فتاة لها قصة مختلفة و تكبدت ما تكبدت في هذا المجتمع الذكوري الذي تناضل فيه المرأة من اجل التشبث بآدميتها و حقوقها و مقاومة كافة انواع الغبن الذي تتعرض له
ثم فيلم عنوانه ( القولبة ) و التي يعاني منها الفرد بسبب (التابوهات ) و الصور المنطبعة في الاذهان عن الغير وفقاً لوجهة نظر المجتمع التقليدية و فيلم ( يحكى أن ) عن شاب هجرته امه ووضعته في دار للايام بعد انفصالها عن أبيه و كل منهما تزوج بعد ذلك مرة اخرى و انجب طفل جديد فنسي الابن الاول من أبويه و اعتبروه يتيماً و تخلصوا منه لينتقموا من بعضهم البعض !! في حين ان الانتقام كان من الطفل الذي تم ايداعه داراً للايتام و أبويه على قيد الحياة و له أشقاء لا يعرفهم و عائلة تبرت منه لتنسى خطأ اختيارها شريك غير مناسب فجاء طفل للحياة غير مرغوب فيه كالزيجة التي فشلت و صارت غير مرغوبة فيها !
و ترك الطفل وحيدا ليواجه مصيره و عاش في الشارع و تحت الكباري بعد ان ترك دار الايتام ووجد ضالته في موهبة الرسم و تحقق من خلال الفن و اشتهر و اصبحت موهبته الفنية هي حياته و صار حلمه و هدفه ان يفتح لنفسه مرسم في مسقط رأسه في بورسعيد كي تفخر به عائلته التي هجرته كما يثني عليه و يفخر به الاغراب الذين يقتنون الان لوحاته
( لست فقط ام ) و هو فيلم يتحدث عن النساء اللاتي لم يقبلن بكونهن فقط امهات فنزلن لسوق العمل كي يشعرن بالتحقق و انهن فاعلات في المجتمع
و هكذا تركت الافلام ذات الأثر أثراً جميلا و تولد عنها شجناً انسانياً و خلقت شحنة من العواطف الجياشة التي تثبت انسانية و حق المرأة و الطفل في مجتمعات قاسية و معقدة و ظروف صعبة لا يمكن التغلب عليها سوا بالامل و بالفن ففي الفن حياة و مقاومة و محبة و خير و جمال
تحيا السينما .. و تحية للسينما ذات الأثر .