هل ستحرق الدولة فيلم «الإرهاب والكباب»؟!
أشعرتنى بعض التعليقات على فيسبوك بأن محارق الكتب والأفلام ستشتعل فى ميادين مصر المختلفة.. وأن كتائب «القمصان الخضراء» الفاشية ستطوف بيوت المثقفين المصريين «عددهم قليل جدًا للأسف» لتبحث عن نسخ فيلم «الإرهاب والكباب» لتحرقها.. وتحكم بالإعدام على من يقتنيها!! ولكننى للأسف لم أتمكن من إكمال هذا السيناريو الكابوسى الغرائبى العبثى المستمد من روايات جورج أوريل، وكافكا، وماركيز، وكل الأدباء العظام الذين يكتبون عن عوالم أخرى ومجتمعات أخرى لا تشبه مجتمعنا فى شىء.. ولقد خاب هذا السيناريو المثير حين وجدت فيلم «الإرهاب والكباب» موجودًا فى كل مكان، ومتاحًا بوفرة، سواء على منصات الإنترنت، أو القنوات الفضائية، أو أى وسيلة أخرى يمكن الوصول إليها.. وأدركت أن ميل الأصدقاء من السينمائيين والمثقفين للمبالغة وتصدير المخاوف هو نوع من أنواع «القلق الفنى» أو «الفراغ» أحيانًا، أو الرغبة فى «البحث عن دور».. فى أحيانٍ أخرى.. لقد كان سبب الضجة أن الرئيس قال فى معرض حديثه عن علاقة المواطن بالدولة إن بعض الأفلام كانت تُحمِّل الدولة كل المسئولية، وتعفى المواطن من كل مسئولية، وبالتالى تحوّلت الدولة إلى خصم فى وعى المواطن، وكان ذلك من عوامل احتقان الناس وتراكم غضبها، الذى عبّر عن نفسه فى يناير ٢٠١١، وتقديرى الشخصى تمامًا أن الرئيس كان يعبر عن رأيه فى الفيلم كمواطن مصرى من حقه أن يقول رأيه فى الأفلام التى شاهدها، أو الكتب التى قرأها.. تمامًا مثلما يقول أحد السينمائيين مثلًا إنه يحب فيلم كذا لصلاح أبوسيف، أو لا يحب فيلم كذا ليوسف شاهين.. هو حر تمامًا فى إبداء رأيه كمواطن ومتذوق، أما الزاوية الثانية فهى أن الرئيس رجل أمن محترف، هذه مهنته قبل أن يصبح رئيسًا، ودوره أن يحلل عوامل الغضب التى قادت المصريين للخروج فى يناير ٢٠١١، التى يرى هو، كواحد من قادة الدولة المصرية وكوادرها وقتها، أنها كانت خطرًا يهدد استقرار الدولة وبقاءها، لذلك سعى عندما تولى قيادة البلاد لإصلاح كل جوانب القصور ومعوقات النهضة التى أدت للانهيار.. سواء من جانب الدولة أو من جانب الشعب أيضًا.. إننى أجتهد أيضًا باعتبارى أدرس الفترة التى ظهر فيها الفيلم من الناحية السياسية، فأقول إن هذه الفترة كانت فترة تصاعد المواجهة المسلحة بين عناصر الجماعة الإسلامية والجهاد وبين الدولة المصرية، وأن الأستاذ وحيد حامد، وهو داعم لدولة ٢٣ يوليو بشكل عام، وابن من أبنائها، كان يفكر أن من وظائف الفن التعبير عن مشاكل المواطن العادى للتنفيس عن غضبه، وللتفرقة بين الإرهاب الدينى وغضب المواطن العادى الذى يمكن احتواؤه وإذابته، وكان من رسائله شخصية الموظف المتطرف الذى أدى دوره الراحل العظيم «أحمد عقل»، فهو من فريق الموظفين الذين أهانوا المواطن وسرقوا حقه، وهو كاذب ومتحرش، ويمتنع عن العمل بحجة أداء الصلاة، وأقول إن بعض مسئولى دولة مبارك كان يميل لاستخدام وسائل تنفيس مختلفة، وعينه على أن العدو الأكبر هو من يحملون السلاح، لذلك تغاضى بعض المسئولين الأمنيين عن ظهور دعاة ينتمون للإخوان مثل عمر عبدالكافى «شيخ الفتنة الطائفية» وعمرو خالد «قائد خطة اختراق الصفوة» فى جماعة الإخوان.. ظنًا من هؤلاء المسئولين أن هؤلاء الدعاة معتدلون!! وأنهم يجتذبون جمهورًا إسلاميًا كان سيتجه لحمل السلاح! لكن الحقيقة أن من رباهم هؤلاء الدعاة على مدى سنوات كانوا رصيدًا استراتيجيًا للإخوان، وأنهم هم من نزلوا للميادين فى ٢٥ يناير.. إلى جانب طبقة «كريم شانتيه» من المثقفين واليساريين والوطنيين استُخدموا لتجميل المشهد ليس إلا.. وبالتالى فالمسئولية مسئولية من أدار المرحلة وليس مسئولية صنّاع الفيلم، مع كامل الاحترام لرأى سيادة الرئيس، الذى أثق فى دقة معلوماته وتحليلاته وفهمه للوضع المصرى برمته، وأقول للأصدقاء الذين وجدها بعضهم فرصة للمزايدة على علاقة الدولة بوحيد حامد كاسم وتراث.. لا تقلقوا.. فلو كانت هناك مشكلة مع وحيد حامد لما تم تكريمه قبل وفاته على أعلى مستوى فى أكبر مهرجان سينمائى مصرى، ولما أُنتجت عنه الحلقات والأفلام التسجيلية فى أكبر القنوات المصرية التى تسهم فى ملكيتها الدولة، ولما طُلب منه كتابة فيلم يروى وقائع ٣٠ يونيو وما جرى فيها، ولما أنتجت له الدولة مسلسل الجماعة.. وهذه كلها علامات واضحة وقاطعة، لكن رغبة البعض فى «المزايدة» لا حدود لها، ورغبة البعض فى «البحث عن دور» لا حدود لها، ورغبة البعض فى أن يقول للدولة «أنا موجود» لا حدود لها، ورغبة البعض فى أن يجد أى شىء يكتبه على صفحته فى فيسبوك صباح كل يوم لا حدود لها.. أما الزملاء الذين يقرأون روايات «خريف البطريرك» و«حفلة التيس» فى الأضواء الخافتة ويمصمصون شفاههم ويريدون أن يسقطوا معانيها بالقوة على الواقع المصرى، فأقول لهم وأنا مرتاح الضمير تحليلكم خاطئ، ومصر ليست جمهورية موز، ولا يحكمها جنرالات مثل جنرالات أمريكا اللاتينية، مصر يحكمها نظام وطنى، معادٍ للفساد، لديه مشروع للنهضة، ولديه معوقات كثيرة يفرضها الواقع، فإذا لم تفهموا هذا ستظلون منفصلين عن الناس وستقودكم مقدمات خاطئة لنتائج خاطئة، ولعل هذا هو حال قطاع من مثقفينا منذ سبعين عامًا أو يزيد.. والله أعلى وأعلم.