على أهبة الاستعداد
اعتدت أن أقرأ الرسائل وراء الأحداث بقدر ما أقرأ الأحداث نفسها، هكذا قرأت لقاء وزير الرى محمد عبدالعاطى بالإعلاميين المصريين صباح أمس، اللقاء نظمه المجلس الأعلى للإعلام برئاسة الأستاذ كرم جبر، والهدف إطلاع الإعلاميين على استعدادات مصر لمواجهة أى أخطار محدقة بمياه الرى المصرية، الوزير منح الفرصة لمجموعة واعدة من المسئولين الشبان لطرح معلومات قيمة عن ملفات مختلفة. المسئول عن مواجهة السيول قال إن مصر بنت سدودًا ومصدات ومخرات للسيول «١١٧ مخر سيل» نتج عنها توفير ١٥٠ مليار متر مكعب من المياه، ما بين مياه سيول استخدمت استخدامًا مباشرًا، وما بين مياه ذهبت إلى باطن الأرض لتصبح جزءًا من الخزان الجوفى المصرى، وما بين مياه استخدمت كبديل لمياه كنا نسحبها من مخزون بحيرة ناصر فوفرت لنا مخزون مياه النيل وحلت محله، نفس الأمر فى ملف إعادة استخدام مياه الصرف المعالج، حيث استطاعت مصر أن تصل فى بعض المحطات لإتاحة استخدام خماسى للمياه، وهكذا تحولت مياه الصرف من مصدر تلوث بيئى فى قناة السويس «كما فى حالة مصرف بحر البقر» وفى البحر المتوسط «كما فى حالة مصرف الحمام».. تحولت هذه المياه إلى مصدر إضافى لمياه الرى المصرية، فمصرف الحمام وحده يوفر سبعة ونصف مليون متر مكعب من المياه المعالجة بعد أن تمر بمحطات التنقية، وبحر البقر يوفر خمسة ونصف مليون متر مياه يوميًا بعد المعالجة، ومصرف «المحسمة» يوفر مليون متر مكعب يوميًا، والمعنى العام أن مصر توفر كل متر مياه يمكن توفيره، وأنها تستغل تطور تكنولوجيا المعالجة فى حل أزمة قلة المياه بالنسبة لعدد السكان، وهى مشكلة طبيعية، لا علاقة لها بتطورات السد الإثيوبى، وهو ما عبر عنه وزير الرى قائلًا إن عدد سكان مصر زاد ٢٥ مليون نسمة خلال العشر سنوات الأخيرة، ومع ذلك لم تظهر أى مشكلة فى المياه خلال هذه السنوات بسبب يقظة الدولة، واستخدامها حلولًا فنية متعددة لترشيد استخدام المياه، من هذه الحلول أيضًا الشروع الفورى فى نشر تقنيات الرى الذكى، بدلًا من طرق الرى التقليدية التى عفا عليها الزمن، فضلًا عن أنها كانت سببًا فى إهدار ما لا حاجة لإهداره من المياه، وقد استعرض الوزير تجارب عدد من المزارعين فى استخدام وسائل الرى الحديثة التى يمكن للمزارع التحكم فيها من خلال تطبيق على المحمول، حيث تخبره الحساسات المزروعة فى أرضه بدرجة رطوبة التربة، ومقدار ما تحتاجه الأرض من المياه بالسنتيمتر الواحد، فيصدر الأمر المناسب، وهى وسيلة ذكية لا لتوفير المياه فقط ولكن لزيادة المحصول الذى نتمناه للأرض بنسبة تقترب من ثلاثة أضعاف.. وبدا أن العنوان العام لسياسة مصر فى التعامل مع مشكلة نقص المياه هو استخدام سلاح التكنولوجيا لأقصى مدى ممكن، فضلًا عن توفير كل الاستثمارات المالية اللازمة مهما غلت، انطلاقًا من رؤية تدرك أن قضايا الأمن القومى لا تحسب بالدرهم والدينار، وهكذا أعلن أحد معاونى الوزير عن أول «ترعة محمولة» فى مصر، وهى تنقل المياه العذبة عبر بحيرة مريوط لتروى بها أراضى موجودة على الضفة الأخرى من البحيرة، وقد شرح معاون الوزير أن المياه تنقل عبر ما يعرف بـ«مونوريل مائى»، حيث تم بناء أعمدة مرتفعة، تحمل مواسير ضخمة، تتدفق عبرها المياه العذبة من إحدى ضفتى البحيرة، إلى الضفة الأخرى لها لتروى الأراضى المطلوب ريها، أما ملف السد الإثيوبى، فقد استعرض أحد معاونى الوزير آخر التطورات التى تجرى فيه حتى ما قبل اللقاء بدقائق، والمعنى أن كل ما يحدث هنا مرصود فى مصر بالدقيقة والثانية، والخلاصة الإجمالية أن إثيوبيا تتعمد الإضرار بمصالح مصر والسودان، وأنها لا تلتزم بكميات المياه التى تعلن عن نيتها لتخزينها، إما بسبب عيوب فنية فى السد، أو ارتباك فى إدارة عملية التخزين، وهو ما يؤدى لأضرار فى السدود الأخرى على مجرى النيل.. وهو ما يستدعى غضبًا مصريًا يتم التعبير عنه عبر الوسائل الدبلوماسية والأدوات المختلفة.. والمعنى العام لنشاط وزارة الرى المصرية أن هناك إدراكًا لأهمية المياه كإحدى ركائز الأمن القومى المصرى أو كركيزة أساسية هى والوحدة الوطنية، كما عبر الأستاذ هيكل فى مقال عام ١٩٩٤.. أما المعنى الإجمالى فهو أن مصر جاهزة وعلى أهبة الاستعداد مهما كانت المخاطر ومهما كانت التحديات.