حوار مع فضيلة الإمام
أثلج صدرى تصريح فضيلة الإمام الأكبر حول إعادة إحياء «حق الكد والسعاية» كوسيلة لتعويض المرأة المادى حال انفصالها عن زوجها، ورغم أن شيخ الأزهر شرط ذلك بأن «يثبت أنها ساهمت فى ثروة زوجها» إلا أننى ممن يعتبرون هذه الفتوى خطوة للأمام مع استدراك بسيط.. أقول فيه إننى ألحظ ميل فضيلة الإمام الأكبر لتقديم أقصى تفسير دينى يدعم حقوق المرأة المسلمة، سواء فى قضايا مثل ضرب الأزواج للزوجات، أو تعويض المرأة ماديًا حال طلاقها، أو تجريم التحرش واعتبار المتحرش مجرمًا «رغم أن ذلك أمر طبيعى» وما إلى ذلك من فتاوى .. لكننى أتشجع فأقول إن ما يقدمه فضيلته رغم أهميته وقيمته غير كافٍ، وإننا فى حاجة لثورة حقيقية فى التعامل مع فقه المرأة فى الإسلام، هذه الثورة الفقهية ستبنى على حق المسلمين فى الاجتهاد، وعلى تغير الظرف الزمانى والمكانى الذى نزلت فيه الآيات والأحاديث التى استغلها البعض وسيلة للتنكيل بالمرأة، وحرمانها من حقوقها ودفعها سنوات طويلة للوراء.. فلا يعقل أن من بين الدعاة وعلماء الأزهر حتى الآن من يفتى بأن للزوج الحق فى الاستيلاء على راتب زوجته ما دام يسمح لها بالعمل! لأن الأصل هو أن تعمل المرأة فى بيتها!! إن هذا ليس رأيًا شاذًا ولا مهجورًا.. ولكنه رأى شائع.. طرحه عالم أزهرى منذ سنتين على شاشة أكبر القنوات المصرية.. إن هذا الرأى الدينى هو تكريس لفكرة عبودية المرأة لزوجها، حيث كان العبيد فى العصور القديمة يعملون ويمنحون ناتج عملهم لمالكيهم.. وليس من المقبول ونحن فى القرن الواحد والعشرين أن يؤمن بعضنا أو غالبنا بحجية حديث يقول إن «معظم أهل النار من النساء»، أو حديث آخر يقول «إذا أقبلت المرأة أقبل معها شيطان»، أو حديث ثالث يقول «ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» وهى كلها أحاديث قيلت فى ظرف ثقافى وتاريخى معين ولم يعد من المقبول أن تبقى مؤثرة فى ثقافتنا وقوانيننا وأوضاع مجتمعنا حتى الآن.. نفس الأمر ينطبق على نصوص نبقى فى حاجة لتحريرها من أسرها والاجتهاد فيها مثل النص على أن شهادة المرأة أمام القضاء هى نصف شهادة الرجل دون النظر لمدى تعليم أى منهما أو ثقافته، وهو نفس الأمر الذى ينطبق على مبدأ «القوامة» بشكل عام وهو ابن ثقافة معينة تجعل المبدأ منتفيًا حال تغير هذه الثقافة.. لقد كنت أزور قريتنا صغيرًا بصحبة والدى وأسعد بقضاء الوقت مع أسرتين لقريبين لنا كنت أعتبرهما بمثابة عمين، وكنت ألاحظ أن زوجة أكبرهما تعامله بندية، وتبدى رأيها فى كل أمور الأسرة والحقل، وأنه يتقبل ذلك تمامًا، ولم أكن فى حاجة لمجهود كبير كى أدرك أن سبب هذه الندية أنها تتحمل معه أعباء العمل فى الحقل بالكامل وتخرج من الصباح الباكر لتبدأ عملها وتشاركه القرارات الخاصة بالزراعة، ثم تعود لتؤدى واجبها تجاه أسرتها، وهذا ظرف اجتماعى مختلف تمامًا عن الظروف فى شبه الجزيرة العربية وقت ظهور الإسلام، حيث انعدام الأمان، والتنازع بين القبائل، واختطاف القوافل، وثقافة الكر والفر، وهو ما كان يفرض نوعًا من إخفاء النساء حماية لهن، ونوعًا من الأفضلية للرجال باعتبارهم من يجيد الوسيلة الوحيدة للبقاء وهى القتال، أما «عمى الثانى» فقد كانت تربطه قصة حب قوية بزوجته الفلاحة الشابة، وقد علمت أنهما تحابا بسبب جيرة حقل والدها لحقله، حيث كان يراها وهى تعمل فى حقل والدها فأحبها وتزوجها.. والمعنى واضح من حيث عمل المرأة الريفية، ومن حيث نوالها لحريتها الاجتماعية نتيجة هذا العمل الذى يساويها بالرجال.. لقد كان هذا حال الفلاح المصرى منذ عهد الفراعنة وحتى بدء تطبيق خطة «سلفنة» المجتمع المصرى وجره لقيم التخلف تحت ستار الدين ولأسباب سياسية بحتة لا دخل للدين الحقيقى فيها، وأنا لا أزايد على فضيلة الإمام الأكبر، ولست ندًا له لا فى العلم، ولا فى السن، ولا فى الدرجة، لكنى واحد من جمهور المسلمين يعمل حقه فى إبداء الرأى، وأقول إن ما يقدمه فضيلته رائع لكنه غير كافٍ، وفى موضوع «حق الكد والسعاية» مثلًا فإنه يربط حق المرأة فى نصيب من ثروة زوجها بثبوت مشاركتها للزوج فى تنمية ثروته! وهو شرط تعجيزى.. والحقيقة أن مجرد رعاية الزوجة لزوجها، ومشاركته أعباء الحياة، وتربية الأبناء، هى كلها مشاركات من الزوجة فى رحلة نجاح زوجها، لأنه من المستحيل أن ينجح من يعانى من حالة عدم استقرار، أو يشغله حال أبنائه، بنفس درجة نجاح من توفر له زوجته عوامل الهدوء والاستقرار، فضلًا عن أن لدينا ملايين الأسر التى تساهم فيها المرأة مساهمة فعلية فى عمل زوجها بدءًا من التى تقف فى محل بقالة أثناء غياب زوجها، أو التى تعد الطعام ليحمله زوجها ويخرج ليبيعه، إلى التى تذهب للحقل قبل زوجها.. إلخ، وبالتالى لا نريد أن تكون كل خطوة فى اتجاه حقوق المرأة الطبيعية مشروطة بشرط يفقد هذا الحق معناه، كأن نقول إن الضرب ممنوع إلا فى حالة «النشوز» لنفتح الباب واسعًا للمتنطعين للادعاء على المرأة بالنشوز، أو التنطع فى تفسير النشوز، نفس الأمر بالنسبة لثبوت مشاركة الزوجة فى ثروة زوجها، حيث نفتح الباب للإنكار أو طلب أدلة مادية تعجز الزوجة عن توفيرها، وأختم بأن أقول إن ما يحدث رائع جدًا لكنه لا يكفى، لأن الزمن يسبقه، والتطورات تلاحقه، وأخطر شىء أن يسبق الزمن اجتهاد رجل الدين لأن الاجتهاد المتأخر يفقد قيمته لأن من ينتظره سيشعر باليأس وينحى الدين جانبًا ويقرر أن يعيش بلا دين وهذا خطر كبير، وضرر يحدثه من يظن أنه يحمى الدين بما يريد أن يحميه.