متطرفون يحاولون تزييف وعى المصريين
فى السبعينيات تم تصنيع ظاهرة عرفت بـ«الصحوة الإسلامية» كانت هناك مخاوف من سقوط الشرق الأوسط فى هوة النفوذ الشيوعى، فتم استخدام الدين لمحاربة الشيوعية، كان هذا واحدًا من أغبى قرارات السياسة الأمريكية، التى ما زال العالم يدفع ثمنها حتى الآن.. «الصحوة الإسلامية» هذه تفرعت عنها ظواهر كثيرة كان منها ظاهرة «أسلمة العلوم».. كانت الفكرة تعتمد على تقديم تفسير دينى لكل العلوم التى أنتجتها الحداثة، والتى هى ملك للإنسانية كلها لا لدين معين، كان للظاهرة بُعد سياسى واضح، يهدف لترسيخ معنى الدين كمهيمن على كل نواحى الحياة لا كعلاقة قلبية بين العبد وربه، وكان هناك بُعد اقتصادى ونفعى استغله نصابون فى ثياب متدينين.. ظهر مثلًا «الاقتصاد الإسلامى»، واتضح أنه مجرد حيلة للاستيلاء على أموال المودعين، وإن قواعده هى نفسها قواعد الاقتصاد العادى، ظهر أطباء نفسيون يتحدثون عن «طب نفسى إسلامى»، ويهدفون لاستقطاب زبائن متدينين واتضح أن كل ما يقدمونه يدخل تحت تصنيف «العلم الزائف»، ظهر أيضًا جيولوجى من قيادات الإخوان الهاربين فى الستينيات ليتحدث عن «الإعجاز العلمى فى القرآن»، وافتتح باحث فى مركز البحوث فرعًا آخر للحديث عن «الإعجاز العلمى فى السنة»!، ووجدنا طبيبة شرعية تعلن أنها حصلت على دكتوراه عن «الممارسات الجنسية فى الإسلام»! كان كل ذلك تزييفًا علميًا، لكنه ضمن لمن ادعوه أرباحًا تقدر بعشرات الملايين، وشهرة واسعة، وتأثيرًا على جموع الجماهير التى لا تعرف ما هو العلم، ولا ما هو الدين، ولا ما هو الفرق بينهما.. شاء الله أن يفيق المصريون من الخديعة الطويلة التى تعرضوا لها، وأن يخرجوا فى ٣٠ يونيو ليلقوا بكل هذا الزيف فى صندوق القمامة.. لكننى لاحظت خلال الأيام الثلاثة الماضية نوعًا من الارتداد لهذا النوع من النصب، والتفسير الزائف للظواهر، والخلط بينها أيضًا، وكان ذلك فى أعقاب الإعلان عن مباراة مصر والسنغال فى نهائى أمم إفريقيا، إذ لاحظت أن أحد الشباب ممن يحمل لقب «داعية سوشيال ميديا» قد نشر على صفحته منشورًا لداعية آخر غير مصرى، كان يبدو من لهجته أنه ربما من إحدى الدول العربية الشقيقة، كان هذا الشاب يقول للمصريين إن عليهم ألا يبالغوا فى تشجيع المنتخب المصرى لأن السنغال أيضًا دولة مسلمة! ونسبة المسلمين فيها ٩٠٪.. ولم أفهم ما علاقة هذا الشاب الذى يطلق شعره الناعم طويلًا على طريقة شكرى مصطفى وينطق بلهجة غير مصرية بمن نشجع؟ ولم أعرف مدى تعارض أن نشجع المنتخب المصرى بكون السنغال دولة مسلمة؟؟ ولم أعرف هل هذا «الداعية» أو «الدعى» جاهل.. أم يدعى الجهل؟ إننا نشجع المنتخب المصرى لأنه منتخب مصر.. والرابط الذى يربطنا بالمنتخب هو رابط الوطنية المصرية، ومصر دولة حديثة يحكمها دستور مدنى، وعلاقتنا بالدول لا يحددها دينها، ولكن تحددها مصلحتنا الوطنية، ونحن نشجع المنتخب المصرى لو لعب مع أى دولة فى العالم، سواء كانت مسلمة، أو بوذية، أو مسيحية، أو ملحدة، ولو لعب المنتخب ضد المملكة العربية السعودية، وهى دولة شقيقة وأرض الحرمين، فسأشجع المنتخب المصرى دون ذرة تردد، وأى مصرى لا يفعل هذا هو خائن أو مختل، وأنا أضرب المثل بواحدة من أقرب الدول لمصر، فما بالك بغيرها، وهناك دول إسلامية تتعارض مصالحها مع مصلحة مصر فى بعض الأحيان، ومن البديهى أننا مع مصر ضدها حتى يتم التقارب، أو الصلح، أو أى شىء آخر.. نحن مع مصر فقط، فى السلم والحرب، والتفاوض، والضغط، والتقارب، والقطيعة، نحن مع مصر فى كل موقف، وكل من لا يرى هذا خائن، وهذه بديهيات لم أكن أظن أننا فى حاجة للحديث عنها.. تكرر هذا المنشور المسموم بصيغ مختلفة، ورأيته على صفحة شخصية مشبوهة، ظهرت منذ فترة لتقدم نفسها على أنها مذيعة مصرية، وتتحدث عن احتراف سيدات مصر للأعمال المشبوهة بسبب ضيق الحال.. وهو معنى مشبوه يردده مشبوهون وأعضاء فى لجان معروفة.. وكان من بين هذيان الكتائب الإخوانية الادعاء بأن لاعب السنغال العالمى «ساديو مانيه» لاعب ملتزم دينيًا، وأن هذا هو السبب فى انتصاره، ولم تكن هذه سوى حقارة من حقارات المتطرفين ومزيفى الوعى للتلقيح على ابن مصر العالمى محمد صلاح، وهو مصرى متدين، ينفق الملايين على أعمال الخير، ويسمى ابنته باسم أطهر بقاع الأرض، لكنه أيضًا وطنى مصرى عظيم، خيب سعى الإخوان للاتجار به، استغلالًا لاحترامه للاعب أكبر منه فى السن، يسمى «أبوتريكة»، أدرك الإخوان أن الوطن عند محمد صلاح يفوق أى دعاوى تافهة، وأن تدينه مثل تدين ملايين المصريين.. حقيقى وصادق ومنزه عن الهوى السياسى.. فراحوا يطلقون التفاهات حول أن «ساديو مانيه» منع زوجته من حضور مباراة النهائى، لأنه رجل متدين.. والحقيقة أنه لا توجد أى معلومة موثقة عن أن بطل السنغال متزوج من الأساس، والأغلب أنه يعيش حياته على نمط اللاعبين الأوروبيين، وهو موضوع لا يخصنا فى كل الأحوال، فضلًا عن أنه لو كان متزوجًا ومنع زوجته من حضور مباراة نهائى منتخب بلده فهذا دليل تخلف لا دليل تدين.. وهو بالنسبة لنا لاعب لطيف الأخلاق، والفريق السنغالى كله كانت له لمسات رقيقة فى المباراة نقدرها كلها، والسنغال بلد شقيق، لأنه لا يعادى المصلحة الوطنية المصرية لا لأى سبب آخر.. وعلى ما يبدو فإن الإرهابيين والمهزومين لن يتوقفوا عن محاولة تزييف وعى المصريين، وإرباكهم. سنظل نطاردهم ونكشف أكاذيبهم وتفاهة منطقهم ما دام فى العمر بقية.