رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حق الشباب فى الزواج أحد حقوق الإنسان

أصبح من الواضح للجميع أن الدولة المصرية تتبنى منذ ٢٠١٤ خطة للإصلاح فى جميع المجالات.. هناك إصلاح اقتصادى وإعادة هيكلة للوضع بكامله، وهناك نمو عمرانى واضح، وخطط لتنمية الصعيد وسيناء وكل الأطراف، وهناك إصلاح سياسى يتمثل فى إعادة صياغة أطراف الصراع، وإخضاعها، وتبريد الوضع الأمنى والسياسى، وهناك تحركات كبرى على مستوى الدورين الإقليمى والدولى.. على المستوى الاجتماعى هناك خطوات واضحة للتوسع فى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتمكين المرأة والشباب وإنصاف الفقراء بقدر الممكن، لكننى أقول إننا فى حاجة لمزيد من الجهد والجرأة فى ملف «الإصلاح الاجتماعى» أو «الإصلاح الثقافى» وما أقصده بالثقافة هنا هو ثقافة الحياة.. أو الطريقة التى ينظر بها الإنسان لأمور مثل الحب والعمل والحرية والمرأة والأصدقاء والخصوصية.. كل هذه الأمور نتاج ثقافتنا الجمعية كمصريين.. تمامًا كما أن «الإصلاح الاجتماعى» لا يقتصر على أمور مثل التكافل أو مساعدة الفقراء أو غير ذلك من أنشطة، لكنه يمتد لإصلاح نظرة المجتمع لقضايا مثل الزواج، والإنجاب، والعلاقات الخاصة، والسعادة الشخصية.. والسبب فى دعوتى هذه أن أى إنسان غير سعيد، هو إنسان غير منتج، وأى إنسان غير مشبع عاطفيًا هو إنسان خطر على المجتمع، وأى إنسان محروم من حقه فى السكينة والرحمة هو إنسان تعيس.. وبالتالى فإن أول مظاهر الإصلاح الاجتماعى أن نغير نظرة المصريين إلى مؤسسة الزواج، فالمصريون يتعاملون مع الزواج على أنه مشروع استثمارى، ويثقلون كاهل العريس والعروس أيضًا بمطالب مادية كبيرة، ويشترطون غالبًا أن يكون منزل الزوجية مملوكًا للعريس، وفى المناطق الشعبية تستدين أسرة العروس كى تشترى لها «جهازًا» يتحاكى عنه الجميع، والملاحظة الأساسية أن كل هذا لا يجلب للعروسين السعادة غالبًا، فتشيع حالات طلاق صغار السن، والعنف الزوجى، وعدم الانسجام العاطفى والطلاق الصامت، والاستمرار فى الحياة خوفًا من أعباء الطلاق وليس حبًا فى الطرف الآخر.. والمشكلة الرئيسية أن هذه الأعباء المادية تؤدى إلى تأخر سن الزواج، وبالتالى حرمان الشباب من الاستمتاع بأحلى سنوات العمر التى تكون فيها كفاءتهم الصحية فى أعلى معدلاتها، ولو افترضنا أن الشاب المصرى يتزوج فى منتصف الثلاثينات فى المتوسط، فإنه يقضى عشرين عامًا من حياته فى حرمان عاطفى، وعدم إشباع جسدى، وهو ما يؤدى لحالة من الهوس بالجنس الآخر، أو التحرش، أو السعى لعلاقات محرمة، أو إدمان الأفلام الإباحية أو غير ذلك من عادات غير صحية، والأمر أشبه بلاعب كرة قدم يظل يلف حول الملعب طوال ثمانين دقيقة من عمر المباراة، ويطلب منه المدير الفنى أن ينضم فى آخر عشر دقائق من «الماتش» فيجد أن طاقته قد استنفدت فى «التسخين» و«السير فى المكان»، فلا يحرز أهدافًا، ولا يكون لانضمامه للمباراة أى معنى، وما نحن فى حاجة له هو دعوة لتغيير ثقافة الزواج فى الطبقة الوسطى المصرية، المصلوبة على صليب التزامها الأخلاقى وانضباطها الاجتماعى، فأبناء الطبقات الدنيا اقتصاديًا لا مشكلة لديهم من هذا النوع، حيث يتزوجون مبكرًا نتيجة عملهم المبكر، وعدم التزامهم اقتصاديًا بتكلفة زواج ضخمة، فضلًا عن نوع من التسامح السلوكى يجعل وطأة المشكلة العاطفية أخف بشكل عام، نفس الأمر بالنسبة لأبناء الطبقات الموسرة التى يتحمل الآباء فيها تكلفة زواج الأبناء فى سن صغيرة، ويستمرون فى مساعدتهم ماديًا بعد الزواج.. بينما تعانى الطبقة الوسطى مشكلة عويصة فى هذا المجال لأبنائها، فهم عصاميون يعتمدون على أنفسهم فى تدبير نفقات الزواج، وفى نفس الوقت تمت تربيتهم على قيم العيب، والحرام، وعدم جواز إقامة علاقات جنسية خارج نطاق الزواج، وبالتالى يظل الشاب محرومًا من الحق فى ممارسة الجنس سنوات طويلة من حياته، والحل هو تيسير الزواج فى سن صغيرة.. والحقيقة أننى لو كنت مسئولًا فى الدولة، لشعرت بالقلق من الدعوة للزواج فى سن صغيرة.. فإذا كان معدل الزيادة السكانية لدينا اثنين ونصف مليون مولود سنويًا ونحن نعانى من تأخر سن الزواج.. فكيف يكون الحال إذا دعونا لمزيد من الزواج المبكر؟؟ والحقيقة أن الزواج المبكر لا يعنى الإنجاب المبكر.. إذ لا بد من نشر ثقافة تأجيل الإنجاب حتى مرور خمس سنوات على الزواج، واستقرار الوضع المالى للزوجين، واعتناق فكرة تنظيم النسل بشكل عام.. لقد لامس الرئيس السيسى هذه المشكلة عندما أعلن عن نية الدولة توفير شقق سكنية مؤثثة ومتاحة للإيجار لمن يرغب فى الزواج.. وهى فكرة عظيمة، وعملية ننتظر تنفيذها، لكن يجب أن تسبقها عملية توعية كبيرة بمعنى الزواج، وضرورة التخلص من الأعباء المادية فيه، وتيسير سبله لمن يرغب من الزوجين، وتوعية الآباء بأن من حق الفتيات الزواج بمن يخترن من زملائهن، وأنه ليس فى هذا انتقاص من رجولة الأب أو الإخوة ما دام فى حدود الأعراف المرعية، نريد أن نقضى على هذا الهوس لدى الشباب والفتيات بالجنس لأنهم محرومون منه، وأن نوفر للجميع هذا الحق داخل إطار الزواج، وأن نحول الزواج من علاقة اقتصادية لعلاقة إنسانية، وهذه كلها خطوات لا غنى عنها لكى نحصل على مواطن سعيد لأن المواطن التعيس لن ينتج، ولن يبتكر، ولن يستقر، ولن يعامل الآخرين جيدًا.. نريد أن ندعو لثورة اجتماعية وأول خطوة فيها ألا نشعر بالحرج ونحن نتحدث عن حق الشاب فى ممارسة الجنس أو فى الزواج بمعنى أصح.