حروب «بلاك شادو» الإيرانية و«سايبرسيرف» الإسرائيلية
في دنيا العالم الرقمي، وبين دهاليز الإنترنت والمعلوماتية وإنترنت البيانات والأشياء، يقول خبراء الأمن والحروب، والأزمات الدولية، إن الحرب الإيرانية الإسرائيلية بدأت ببرود ينذر بكوارث لا حصر لها.
في الواقع الافتراضي، قالت شركة المعلوماتية والجاسوسية "بلاك شادو"، المرتبطة (عمليا وتمويليا) بإيران، إنها أنجزت مهمة ذكية بمنتهى السرية، من خلال اختراق سيرفرات عملاقة تقع في عدة أماكن، وحملها خوادم لموقع "سايبرسيرف" الإسرائيلي.
جهات أممية وقوى عسكرية عالمية رصدت الهجمات الإلكترونية التي احتلت الفضاء الرقمي" السيبراني"، الأمر الذي سهل لكلا البلدين الوقوف حد النار الإلكترونية التي استطاعت تدمير واستهداف عشرات الأماكن والمطارات والمنشآت العسكرية والمدنية، منها بعض القطاعات الصناعية والصحية والزراعة والتصنيع، وبالتالي إرباك غير متوقع، مدني، عسكري، حساس وحيوي، شمل كلا من إيران ودولة الاحتلال الصهيوني، الإسرائيلي.. لنقل إنها الحرب بدأت فعلا!!.
في معطيات الحدث، ومع أوزان المصادر التي كشفت عما أعلنت عنه مجموعة شركات ومنصات القراصنة الهكرز الدولية "بلاك شادو"، التي تعمل لصالح إيران، وتقدم خدماتها الرقمية القدرة على اختراق "السيرفيرات"، الخوادم التي تدعم شبكات شركة "سايبرسيرف" الإسرائيلية، التي تدعمها منظمة الأيباك الصهيونية، وتقديمها عبر العالم بأنها منظمة معلوماتية للاستضافة الإلكترونية.
عمليا، إيران، ومن تصريحات لـ"غلام رضا جلالي"، رئيس الدفاع المدني في إيران، صوب الاتهامات لإسرائيل والولايات المتحدة، مؤكدا أن الحرب الخفية عبر الإنترنت كانت وراء هجوم إسرائيلي مدعوم من بلطجية الكون السيبراني من الروس والأمريكان، وربط الهجمات الحربية الإلكترونية بما أصابت من أهداف، كان منها تعطيل منظومة مبيعات البنزين في جميع أنحاء إيران.
وحدث أن أطلق الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" رصاصات الموت في هذه الحرب، عندما أعلن للعالم عن حقائق وطبيعة الأضرار من الحرب، فأكد أن الهجمات السيبرانية، بكل ثقلها، هي السبب المباشر لتعطل منظومة "بيع البنزين المدعوم"، فدفع الأمن الداخلي الإيراني نحو هاوية كادت أن تؤدي إلى إثارة "فوضى موجهة ومقصودة" تتزامن مع أقل من 24 ساعة من الذكرى الثانية للاحتجاجات التي اجتاحت المدن الإيرانية بسبب زيادة كبيرة في أسعار الوقود في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، تحولت إلى احتجاجات سياسية طالب المتظاهرون فيها بتنحية وحل مؤسسات وقادة الأحزاب والبرلمان والحكومة الإيرانية.
وفي ظلال هذه الحرب، تقوم دولة الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني بالترويج لقوتها الاستراتيجية في المنطقة والشرق الأوسط، فيقول رئيس الإدارة الاستراتيجية في جيش الدفاع الإسرائيلي، اللواء "تال كالمان"، في حوار مع جريدة «الأيام» البحرينية، إن إيران ليست مشكلة لإسرائيل بل للعالم، ويضيف: نؤمن بالحل الدبلوماسي مع إيران، وإذا فشل فلا بد من حل عسكري دولي، لافتا إلى أن إيران تحارب إسرائيل بالتوازي مع محور متطرف تقوده اليوم ايران في المنطقة، وله وكلاء في كل من لبنان وسوريا واليمن والعراق، حسبما نقلت الصحيفة عن اللواء "كالمان".
توازنات دولية وأممية تقف بين حروب إيران وإسرائيل، وتحاول تخفيف أثر الحرب الباردة التي نارها ووقودها منصات وشركات وأقمار صناعية، تراقب وتحصر التحركات وعمليات التصعيد الإلكترونية، والحركات السلبية، برغم تشوهات كثيرة في دقة المعلومات حولها، منها ما صرح به قائد الدفاع المدني الإيراني المسئول عن الأمن الإلكتروني، للتليفزيون الرسمي في مقابلة: "ما زلنا غير قادرين على القول جنائيا، لكنني أعتقد من الناحية التحليلية أن النظام الصهيوني والأميركيين وعملاءهم هم من نفذوه".
الأمر الآخر، أن صليات الحرب تجاوزت الأجهزة والمنصات، ففي الوقت نفسه اتهمت الولايات المتحدة ودول أوروبية عديدة، إيران بمحاولة تعطيل واقتحام شبكتها الإلكترونية.
وبين خراب وآخر، نجد أن إيران تردد أنها "متأكدة" من أن الولايات المتحدة وإسرائيل وراء الهجمات الإلكترونية، التي تعرضت لها خطوط السكك الحديدية الإيرانية في يوليو، وميناء الشهيد رجائي في مايو 2020، ما يؤشر على دافعية استثمار دروب الحرب الإلكترونية، فما إن مرت أربعة أيام من الحرب على منظومة محطات الوقود الإيرانية، إلا وأعلنت مجموعة القراصنة "بلاك شادو"، عبر تطبيق «تليجرام»، أنها اخترقت خوادم لموقع "سايبرسيرف" الإسرائيلي، ما جعل الكثير من مواقعه غير متاحة، وبدأت تسريب وتهكير وسرقة وإتلاف البيانات الإسرائيلية المختلفة، منها مواقع شركتي النقل العام (دان وكافيم) اللتين تخدمان تل أبيب، ومتحف الأطفال في مدينة حولون والمدونة الإلكترونية للإذاعة الإسرائيلية العامة.
ووصف المصدر الهجمات الحربية بأنها جعلت من المستحيل الوصول إلى هذه المواقع التي تستضيفها "سايبرسيرف".
ونشرت «بلاك شادو» على «تليجرام» ما قدمته على أنه ملف عملاء يتضمن أسماء وعناوين البريد الإلكتروني وأرقام هواتف مستخدمين لشركة كافيم الصهيونية.
لن تنتهي مثل هذه الحروب القذرة، وهي غالبا تطال كل وقائع وارتباطات وسرية العالم الرقمي الخفي، وقد تطال شبكات متعاونة على المستوى الإقليمي.
شتاء مقبل يصطلي بحرارة حرب سيبرانية خطرة، قد تكون المقدمات الأولى لطبيعة متباينة عن مقدرات الحرب التي تبحث عنها إسرائيل، حرب ليست "الخفية الطويلة"، أو "غير المعلنة"، فما يحدث في أروقة السياسة الدولية والأمنية يدمر العوالم الإلكترونية الرقمية، والطبيعي العسكرية أو الاقتصادية أو البشرية بين اثنين من الخصوم في المنطقة، البلاد العربية والشرق الأوسط، وإفريقيا، وبين المروحة السياسية تدور شفراتها، بعناد ودم، قد ينهي أسطرة كل من إيران وإسرائيل، وهي أسطرة بانت معالمها عبر صراع يدور عبر الشبكة الإنترنت، وسحائب إلكترونية تذوب وتذوب الحقيقة.