كعب أخيل
تحكى الأسطورة اليونانية عن بطل يونانى خارق، لم تكن له سوى نقطة ضعف وحيدة، وهى كعب قدمه، وجه الأعداء سهامهم إليه، فخارت قواه، وأصابوا منه مقتلًا.. القصة شهيرة والبطل هو أخيل أو أخيليوس.. والمعنى أن فى كل تجربة نهضة، نقطة ضعف، يتسلل منها الأعداء، بل إنهم يبحثون عنها، وفى تجربة التنمية المصرية الحالية أرى أن أحوال التعليم يمكن أن تتحول إلى «كعب أخيل» الذى يستهدفه الأعداء ويحاولون النفاذ منه، إنه نقطة الضعف التى يجب أن نتلافاها، ونحولها إلى نقطة انطلاق.. مع العلم أن أخطر الدعاوى هى التى يختلط فيها الحق بالباطل، ويتبنى فيها الإرهابيون شكاوى المواطن العادى، ويزايدون عليها، ويخلطون فيها رغبتهم فى الكيد برغبة المواطن العادى فى تلقى خدمة تعليم جيدة.. هنا يجب أن ننتبه، لقد تم انتظار بداية العام الدراسى لنشر ثلاث أو أربع صور لطلاب لا يجدون مقاعد للجلوس عليها، وبمجرد نشر الصور تم حل المشكلة فورًا.. وهو ما يدفع للتساؤل عن ذلك المسئول المقصر فى عمله، الذى ترك المقاعد فى المخازن، أو تقاعس عن طلب المقاعد الكافية، أو عن ذلك المسئول الذى تلقى الطلب ولم يستجب له، والحقيقة أن المشكلة أكبر من ذلك، ولا بد أن نواجه أنفسنا، وأن نعى أن أعداء التجربة المصرية يستغلون المشكلة فى زيادة منسوب السخط العام أولًا، وفى تشويه فكرة التنمية الشاملة ثانيًا، وفى زيادة إحساس الطبقات الأبسط بأنه لم يبق لديها ما تحصل عليه من الدولة رغم أن هذا غير صحيح، والحل أن نتعامل مع قضية التعليم على أنها قضية أمن قومى، وأن يدير سيادة الرئيس الملف بشكل مباشر، نحن إزاء تدهور بدأ منذ أربعين عامًا، أحد أوجه الأزمة هو نقص أعداد المدرسين بدرجة كبيرة، المشكلة تعود لعام ١٩٩٨ حين ألغت الدولة تكليف خريجى كلية التربية، لتوفير الأعباء المادية، تزامن هذا مع خروج ٤٠ ألف مدرس سنويًا للمعاش، وتوقف التعيينات ضمن حزمة الإصلاح الاقتصادى بهدف إصلاح عجز الموازنة، أحد أوجه الأزمة أيضًا نقص عدد الفصول، وتكدس ما يقرب من تسعين طالبًا فى الفصل الواحد فى بعض المناطق، وعدم وجود حلول إبداعية، والانتظار لبدء العام الدراسى وظهور المشكلة ثم التفكير فى حلها، رغم أن الضرورات تبيح المحظورات، وكان يجب البدء فى تطبيق نظام الثلاث فترات فورًا، أو قسمة العام الميلادى إلى عامين دراسيين، يدرس نصف الطلاب فى ستة أشهر منه، ويدرس النصف الثانى فى الستة أشهر الثانية، أو قسمة الأسبوع إلى نصفين، يدرس نصف الطلاب فى نصف الأسبوع الأول، والنصف الآخر فى نصف الأسبوع الثانى، وهى كلها حلول ليست كاملة، لكنها أفضل من وجود تسعين طالبًا فى فصل واحد، واستغلال اللجان الإلكترونية لهذه الصور، يضاف إلى هذا تصرفات سليمة لكنها تخلو من الحس الجماهيرى مثل منع الطلاب من تسلم الكتب حتى يؤدوا المصاريف، أو الحديث عن المشاكل دون طرح حلول لها، أو وعد بالحلول، والحقيقة أن التعليم جزء من مشروع «حياة كريمة» الذى جندت له الدولة إمكاناتها، وقد استطاعت الدولة أن توفر ٧٠٠ مليار لـ«حياة كريمة» ولا مانع أن تزيد لـ٨٠٠ مليار، على أن توجه الـ١٠٠ مليار الإضافية لحل مشكلة المدارس والمدرسين، وربما يكون من الأفضل أن تخرج من داخل مؤسسة حياة كريمة مؤسسة فرعية لبناء المدارس، ولنسمها «حياة تعليمية كريمة»، وأن تكون لدينا حملة إعلامية يشارك فيها كبار نجومنا لتشجيع التبرع لبناء المدارس.. إن لدينا شبكة منظمة من جمعيات بناء المساجد فى مصر، هذه الشبكة تدير برامج إعلانية، ومحطات، وتجنى تبرعات تقدر بمئات الملايين سنويًا، وقد حدثنى من أثق به عن شخص واحد يدير خمس مؤسسات خيرية لبناء المساجد، واحدة باسمه، وأربع باسم زوجاته الأربع!! ولا أحد يعترض على بناء المساجد، لكننا نريد مدرسة عامة بجوار المسجد، ونريد ممن يتابع هذه الشبكات المنظمة لجمع التبرعات أن يقنعهم بهذه الفكرة، أو يمنعهم من استغلال رغبة الناس فى رضاء الله فى الخداع وجنى الثروات وسكنى القصور.. إننى أطالب بأن يتولى سيادة الرئيس إدارة ملف التعليم بنفسه، وأن يتعامل مع مشاكله بطريقة الحل الجذرى والشامل التى يطبقها فى كثير من المشاكل الأخرى، وأثق أننا وقتها لن نجد مشكلة فى التعليم بعد عام أو عامين من الآن، فنحصن تجربة التنمية، ونكسر سهام الأعداء قبل أن تصل إلى كعب أخيل، فتصيب منه مقتلًا.. رد الله كيد أعداء مصر فى نحورهم، وفرق جمعهم، وشتت شملهم، والله على كل شىء قدير.