العراق.. انتخابات مبكرة بدون مؤشرات مستقبلية
للمرة الخامسة في أقل من ثلاث سنوات، تجري الانتخابات التشريعية، وحال العراق يطرح عشرات الأسئلة: هل هناك انتخابات حقيقية نزيهة وتمثل الشعب العراقي؟
هل ما يحدث من انتخابات، فرص سياسية واجتماعية تضمن حيوية للناس، لإحداث نقلة سياسية سيادية تؤطر الدولة العراقية والشعب؟
هل ما زالت هناك من إمكانية شعبية عراقية، تستطيع إحداث التغيير بما ينقذ العراق وشعبه من تبعيات الاحتلال الأمريكي، والإيراني، وما بينهما من الكتل السياسية التي تتحكم في مصير الشعب والدولة؟
في الواقع، هناك أكثر من 24 مليون عراقي ناخب، من أصل حوالي 40 مليون نسمة، سكان العراق.
اليوم الأحد 10 أكتوبر، افتتحت صناديق الاقتراع، حركة بطيئة، وشعب لا يريد المغامرة، من يبدأ الحراك نحو الإدلاء بأصواتهم.
عمليًا، لا يمكن القول إن الشعب العراقي، أراد أن تجرى الانتخابات، قبل موعدها بعد وقف وقمع الاحتجاجات والمظاهرات الواسعة التي اندلعت في كل المدن العراقية، أكتوبر 2019.. وليس صحيحًا أن الشباب العراقي، نزل في حراك صعب، متواصل، من أجل المطالبة بتقريب موعد الانتخابات (....) أو الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي وصولًا إلى تولي الرئيس الحالي مصطفى الكاظمي، بكل الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لتكريس اسمه في المنصب.
كان من مهام الكاظمي إحداث تغييرات سياسية على أرض الواقع، بل وخلخلة الكتل السياسية والعشائرية والدينيّة، لكنه انفتح على دول الجوار العربي، الأردن، سوريا، مصر، وحاول جس نبض ودغدغة شعبية لهز أشكال الهيمنة والتكتلات الدينية، عدا عن التأثير الإيراني، ودول الجوار الحرجة كتركيا والكويت، على مستقبل الشارع العراقي.
الإعلام العراقي، يتقاطع مع الإعلام العالمي حول الانتخابات، بينما نرى الإعلام العربي، يتفتت، مهمشًا هشًا، لأن محطات ومنصات إعلامية بعينها، تعزز رؤيتها وتشوه الانتخابات، ما أدى إلى أن تكون النتائج، معركة (وهمية) لانتخابات تشريعية، مقصودة، موجهة، وإن كانت (مبكرة) فإن الشعب العراقي، وفي ظل هيمنة الأحزاب العراقية التقليدية، يواجه دعوات الإحباط لتشتيت الناخبين.
علينا التمعن جديًا فيما كتبت صحيفة الزمان العراقية، التي تطبع في بغداد ولندن، عدا عن طبعة إلكترونية، وهي التي وصفت يوم الانتخاب، والحالة الانتخاب بالقول:"وسط معاناتهم من تبعات حروب متتالية وفساد مزمن وانتشار للسلاح وفقر رغم الثروة النفطية، ينظر العراقيون ومن بينهم 25 مليون ناخب، بتشكيك ولا مبالاة إلى الانتخابات التي تجري وفق قانون انتخابي جديد".
ألقت الصحيفة بمؤشرات خطيرة، بقولها: "يتوقع مراقبون أن تكون نسبة المشاركة ضئيلة في العملية الانتخابية التي كان موعدها الطبيعي في 2022، واعتبر تحديد موعد لها من التنازلات القليلة لحكومة مصطفى الكاظمي لامتصاص الغضب الشعبي".
في النظرة التحليلية الاستراتيجية، علينا أن نعرف ما هو أثر "المحاصصة الطائفية" في العراق، على صورة الخيارات السياسية والاجتماعية وتوزيع القوى والمنافذ الأمنية والسياسية وإدارة الدولة في هذه المحاصصة، لأن مثل هذا النظام السياسي- الاجتماعي، يكون معتمدًا على توزيع مغانم ورؤى وحلول، والقوى الأمنية والجيش وفق اتفاق، أو اختلاف الرئاسات الثلاث على مفهوم قاعدة للحكم المؤثرة، بحيث صار الولاء للطائفة، باعتباره البوابة المهيمنة نحو السيطرة على السلطة، فتضيع معالم وتراكمات القوى الوطنية والشعبية الأصيلة، لهذا فإن أثر المحاصصة السياسية، أكثر سيطرة على أداء الناخب العراقي، المواطن الذي اكتوى من تاريخ عراقي متشعب من الأزمات والحروب التي استنفدت قدرات البلد النفطى، عدا عن مناخات الاستثمار والثروة المعدنية والزراعة، لهذا كله، يجد الشعب العراقي، بأنه "المغيب"، في ظل تباين المعلومات عن حقيقة ما يحاك للعراق.
السؤال الكبير، طرح اليوم في محاولة لحث العراقيين على عدم مقاطعة الانتخابات، بل تمهيد الظروف الموضوعية لإنجاح التصويت، إلا أن الناخب الراقى، يستجيب، إلى العشائرية ويحاول دعم بعض المرشحين من زاوية عشائر وقوى مجتمعية بديلة، في مواجهة قوى طائفية وأمنية وسياسات اختلفت توجهاتها ليلة الانتخاب.
كيف ذلك؟، إنه رد على:"ماذا ستقدم الانتخابات للعراقيين؟".
قبل ساعات من فتح الصناديق، تناقلت القوى العشائرية والطائفية والميليشيات والحشد الشعبي، والمال السياسي، أسماء كتل وشخصيات محددة، في تلميحات إنهاء لن تترك محاصصتها في البرلمان أو الحكومة.. كل هذا وضع أمام المتابع، وقبيل يوم صدور نتائج الاقتراع.
مصادر خاصة لـ" الدستور" قالت عبر الهاتف:" إن الشعب العراقي، يتعامل مع حالة انتخابية مختلفة، فللمرة الأولى منذ سنوات، تم تعديل قانون الانتخاب بحيث أصبحت العراق، مقسمة إلى مجموعة دوائر انتخابية، بدلًا عن دائرة واحدة بحسب القانون السابق".
وكشف المصدر لـ"الدستور"، عن طبيعة ما يتردد عن إعلان أسماء وكتل نجحت، فقال:" حقيقة الأمر، أن يوم تصويت القوى الأمنية والجيش والقوات الخاصة، هو يوم انتخاب مسبق، ما فسر عند البعض، أن نتائج الانتخاب نهائية".
ولفت المصدر إلى أن التصويت إلكتروني، يعتمد آليات وعملية تصويت إلكترونية في مقرات الصناديق، وهذا يحدث لأول مرة في العراق".
هناك ترقب شديد لنتائج الاقتراع، وهذا منح القوى المدنية والشعبية والكتل الدينية، فرص إعلان ساعة الخوف والصمت والشغب، على قوى الأمن ما يؤثر على إعلان نتائج الاقتراع المتوقع إعلانها إلكترونيًا خلال 24 الى 48 ساعة.
أشار يحيى التليدي في العين الإخبارية الإماراتية إلى أن الانتخابات تعقد "وسط مشهد سياسي بالغ التعقيد، وضغوط اقتصادية وأمنية ستحدد مستقبل العملية السياسية وقدرة الدولة العراقية على الاستمرار".
ذات الأوسط تتحدث عن وجود إقبال حذر على الاقتراع، وأن الناس لاحظت مظاهر تحديات أمنية ورقابة صارمة كبيرة للجماعات والمكونات العراقية وأحزابها كافة.
.. أي عملية انتخابية، تعد خطوة مهمة على طريق، التغيير والإصلاح، والمسألة في العراق حاسمة، لها بعدها الوطني والقوى، فالوصول بالعراق إلى لحظة صنع قرارها السياسي المستقل، البعيد عن أي تدخلات عربية أو إقليمية، أو دولية، يمنح الشعب العراقي فرص الخروج من الأزمة.
جيو سياسية الانتخابات ومصائرها، جعلت الرئيس العراقي برهم صالح، يقول إن الانتخابات البرلمانية المبكرة، هي بداية الإصلاح لتحقيق تطلعات الشعب العراقي، اليوم تاريخي، بالنسبة لبرهم، وهو يؤكد من موقع السلطة أن :"الانتخابات المبكرة هي مطلب شعبي واستحقاق وطني، وبداية للانطلاق نحو الإصلاح لتحقيق ما يتطلع إليه العراقيون".
تشير أرقام مفوضية الانتخابات الرسمية العراقية، إلى أن 24.9 مليون عراقي يحق لهم التصويت في عملية الاقتراع من أصل نحو 40 مليون نسمة.
ويتنافس 3249 مرشحًا يمثلون 21 تحالفًا و109 أحزاب، إلى جانب مستقلين، في الانتخابات للفوز بـ 329 مقعدًا في البرلمان.
*وثيقة*
* تجري هذه الانتخابات التي كان موعدها الطبيعي في العام 2022، وفقًا لقانون انتخابي جديد يعتمد دوائر انتخابية متعددة والتصويت لمرشح واحد، يفترض أن يحد من هيمنة الأحزاب الكبيرة على المشهد السياسي.
* أبرز الأرقام والمعطيات المتعلقة بهذه الانتخابات، وهي الخامسة منذ عام 2003:
* يبلغ عدد سكان العراق 40.2 مليون نسمة، 60 في المائة منهم دون سن الـ25 وفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة.
*ويبلغ عدد الناخبين في هذه الانتخابات 25 مليونًا يتوزعون على 83 دائرة انتخابية و8273 صندوق اقتراع. أما عدد الناخبين الذين يمكن لهم نظريًا التصويت فهم 23 مليونًا كونهم أصدروا البطاقات الانتخابية البيومترية.
*تنتخب كل دائرة بين ثلاثة إلى خمسة نواب، قياسًا بعدد سكانها.
*يتنافس المرشحون على 329 مقعدًا، بينها 83 مقعدًا تمثل 25 بالمئة من المجموع الكلي خصصت للنساء، بالإضافة إلى تسعة مقاعد للأقليات موزعة بين المسيحيين والشبك والصابئة والأيزيديين والكرد الفيليين.
ويجري انتخاب النواب لدورة من أربع سنوات، فيما نظام الاقتراع أحادي ويصوت الناخبون وفقه لمرشح واحد.
ويبلغ عدد المرشحين أكثر من 3240 بينهم نحو 950 امرأة، أي أقل بالنصف من عدد النساء اللواتي ترشحن في انتخابات 2018. يوجد أيضًا 789 مرشحًا مستقلًا، فيما توزع الباقون ضمن قوائم أحزاب وتحالفات سياسية.
*لا تزال القوى السياسية التقليدية نفسها مهيمنة على المشهد السياسي العراقي رغم الحركة الاحتجاجية التي شهدتها البلاد في أكتوبر 2019. فيما قاطع الناشطون الذين شاركوا في الاحتجاجات والشيوعيون الاستحقاق الانتخابي.
والتيار الصدري، الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، يحظى بقاعدة جماهيرية واسعة مكنته من الفوز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان خلال انتخابات 2018 وقد يتمكن من تعزيز وجوده في البرلمان هذه الدورة أيضًا.
والفصائل الموالية لإيران، يمثلها مرشحون ضمن تحالف "الفتح" بقيادة هادي العامري، الذي يرأس كذلك منظمة بدر، أحد الفصائل الرئيسية في الحشد الشعبي.
ويعد حزب "حقوق" القريب من "كتائب حزب الله" أحد أبرز التيارات المنبثقة عن الحشد الشعبي المشاركة في الانتخابات.
اللبنة الأساسية للحشد الشعبي تتألف من فصائل شيعية مسلحة موالية لإيران
*بالنسبة للتحالفات، فهناك تحالف دولة القانون، بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي زعيم حزب الدعوة، والذي شغل أطول مدة رئاسة وزراء بين عامي 2006 و2014.
وتحالف "قوى الدولة الوطنية"، برئاسة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي ويضم أيضًا "تيار الحكمة" بزعامة رجل الدين الشيعي عمار الحكيم، ويسعى للعب دور تيار معتدل.
*بالنسبة للأحزاب السنية، فتخوض التيارات السنية تنافسًا حادًا، خصوصًا بين تحالف "تقدم" بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الذي بات لاعبًا مهمًا بفترة قصيرة في المشهد السياسي للبلاد، وتحالف "عزم" بزعامة خميس الخنجر، الخاضع لعقوبات أمريكية على خلفية "فساد".
* قوائم أخرى جديدة بينها "قادمون للتغيير"، بزعامة أمينها العام حسن الرماحي وتضم غالبية من المستقلين.
* الأحزاب الكردية، فيلعب الحزبان الرئيسيان، الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة نجل وابن شقيق رئيسه الراحل جلال طالباني، دورًا رئيسيًا في المشهد السياسي الكردي في العراق عمومًا وإقليم كردستان الذي يتمتع باستقلال ذاتي.
وتمثل المعارضة في الإقليم أحزاب أخرى بينها "حزب الاتحاد الإسلامي" و"الجيل الجديد" و"كوران" وتعني "التغيير" باللغة العربية.
- [email protected]
- مدير تحرير جريدة الرأي الأردنية