«فخر مصر».. مها زكى: إطلاق اسمى على طفرة جينية تُسبب تشوهات للأجنّة أفضل تكريم حظيت به
أطلق فريق من علماء الطب الجينى، بجامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، اسم أستاذة ورئيس قسم الوراثة الإكلينيكية بالمركز القومى للبحوث، مها زكى، على طفرة جينية نادرة تتسبب فى إصابة الأجنة بتشوهات جسمانية مثل، التقزم وصغر حجم اليدين والرأس أثناء مرحلة التخليق فى الرحم. ويعد إطلاق اسم الباحثة المصرية تكريمًا كبيرًا واعترافًا بفضلها وجهودها فى اكتشاف الطفرة الجينية النادرة، والتوصل لعلاج لها يعفى آلاف الأسر والأطفال من معاناة العيش بتلك التشوهات.
نجحت «زكى» فى اكتشاف الطفرة والتوصل للعلاج بعد رحلة بحثية امتدت لـ١٠ سنوات، بدأت بدراسة حالة أسرة مصرية من الدلتا لزوجين فى الثلاثينيات يرغبان فى إنجاب طفل معافًى بعد أن أنجبا طفلين بتشوهات جسمانية متطابقة تقريبًا.
التقت «الدستور» «زكى» للحديث عن إنجازها العلمى الرائد وتفاصيل رحلة البحث، إضافة إلى سؤالها عن أهمية مشروع الجينوم المرجعى للمصريين والمصريين القدماء الذى أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى بداية العام الحالى، ودوره فى علاج الأمراض النادرة وتحسين استجابة المصريين للعلاجات واللقاحات.
■ كيف بدأت رحلتك البحثية لاكتشاف «متلازمة زكى»؟
- البداية كانت عن طريق زوجين من الدلتا، وجهتهما إحدى طبيبات أمراض النساء والتوليد لعيادات قسم الوراثة الإكلينيكة بالمركز القومى للبحوث عام ٢٠١١، لأنهما كانا يرغبان فى إنجاب طفل معافًى بعد أن أنجبا طفلين بتشوهات جسمانية مطابقة تقريبًا بفاصل زمنى ٣ سنوات بين الأول والثانى.
وبدأت أجرى بعض الفحوصات على الزوجين والطفلين، وتوصلت إلى أن تلك التشوهات من المستحيل أن تتجمع فى طفلين بهذا التطابق، بفارق زمنى ثلاث سنوات فقط، فأجريت مسحًا جينيًا لجميع أفراد الأسرة، وتوصلت إلى وجود خلل جينى يصيب الجنين فى مراحل التخليق الأولى، ويسبب تلك التشوهات.
■ وما الخطوة التالية التى أسهمت فى التوصل للعلاج؟
- أجرينا تجارب سريرية على عشرة أطفال من خمس أُسر من ٥ دول، طفلان من مصر، و٥ من الإمارات، وطفل ماليزى، وطفلة هندية، وطفل برازيلى.
وبعد اتساع دائرة البحث فحصنا بيانات عالمية لأكثر من ٢٠ ألف أسرة لديها أطفال يعانون من تلك التشوهات، لنكتشف وجود تطابق على مستوى تشوهات ثلث الأطفال تقريبًا، يعانون جميعًا من تقزم الأطراف وتشوهات فى شكل الجمجمة.
واكتشفنا أن التشوهات تحدث بسبب طفرات فى الحمض النووى فى جين يسمى «WLS»، يؤثر بالتبعية على بروتين شبيه بالهرمونات يُعرف باسم «Wnt»، وهو أساسى فى تكوين معظم الأجهزة الحيوية فى الجسم، حيث تتسبب هذه الطفرة فى إعاقة كل المستقبلات الحسية للجنين قبل ولادته، فيفقد الإبصار والسمع قبل ولادته، من هنا أدركنا أننا نتعامل مع متلازمة جديدة نكتشفها لأول مرة.
■ كم دولة أسهمت فى الفحوصات والتجارب؟
- استمرت التجارب السريرية نحو ٤ سنوات، واتسعت دائرة التجارب لتشمل الهند، وسنغافورة، والإمارات، والولايات المتحدة الأمريكية، وماليزيا، والبرازيل، وتوصلنا إلى وجود آلاف الأطفال حول العالم مصابين بالتشوهات نفسها دون تحديد سبب.
■ كيف تصفين تصدر اسمك أغلفة المجلات العلمية والنشرات المتخصصة؟
- أراه أفضل تكريم حظيت به، وأن يقترن اسمى بعلاج لمرض نادر أفضل بكثير من أى جائزة مادية أو وسام، فالأمر يشبه اكتشاف كوكب جديد، يساعد البشرية فى القرون المقبلة ونادر تكراره.
■ ما التكريمات الأخرى السابقة لهذا الاكتشاف؟
- حصلت على جائزة الدولة التقديرية، وكرمنى الرئيس السيسى لإجرائى أبحاثًا أخرى على متلازمات أخرى ظهرت فى أسر مصرية، مثل صغر حجم الرأس ومشكلة فى تكوين المخ والمخيخ وأزمات فى القلب.
كما وقع الاختيار علىّ لأكون عضوة فى الشبكة الأوروبية لتشوهات المخ بالشرق الأوسط وإفريقيا، وأجريت ١٩٥ بحثًا علميًا ومنها ما يُدرس باسمى فى جامعات دولية.
■ حدثينا عن مشروع «جينوم» الذى أطلقه الرئيس السيسى؟
- هو تكليل لجهود علماء الوراثة المصريين الذين جنبوا مصر كوارث وبائية كثيرة، بدأت على يد العالمة الراحلة سامية التمامى، أول باحثة عربية تحصل على دكتوراه فى علم الوراثة البشرية عام ١٩٦٦.
وأسست «التمامى» شعبة للوراثة البشرية فى مصر ضمت أكثر من مائة باحث وباحثة، واكتشفت أكثر من أربعين مرضًا وراثيًا مسجلًا باسمها فى المراجع العالمية، وحصلت على جائزة الدولة التقديرية فى العلوم وقلادة النيل، وتبعها أجيال من علماء الوراثة الطبية.
أما عن مشروع الجينوم المرجعى للمصريين وقدماء المصريين، الذى وجه الرئيس السيسى بإطلاقه مع إنشاء أول معمل جينوم فى مصر، فتتجلى أهميته فى التعرف على أسباب التباين فى الاستجابة للأمراض والعلاجات، وبدأ التفكير فيه بسبب جائحة فيروس كورونا، حيث رصدنا وجود فوارق كبيرة وغير مفهومة فى الاستجابة العلاجية بين المرضى.
الفيروس تمكن من شباب فى مقتبل العمر، وأدى لوفاتهم، فى حين تعافى منه مسنون، كما تفاوتت مقاومة المصريين له فمنهم من تعافى فى وقت قصير، ومنهم من استغرق وقتًا أطول بكثير، ومنهم من استجاب لبروتوكول العلاج، ومنهم من لم يستجب.
ويهدف «الجينوم» لرسم خريطة جينية للمصريين وصفاتهم الوراثية، ليست بهدف التوصل لعلاجات كورونا فحسب، ولكن لعلاج أمراض أخرى نادرة، وعلاجها مكلف جدًا مثل الضمور الشوكى مثلًا.
■ بعد الانتهاء من بحث «متلازمة زكى»، ما مشروعاتك المستقبلية؟
- اختارت الشبكة الأوروبية لتشوهات المخ ومقرها ألمانيا، وتضم الأمهر والأكثر خبرة فى علم الوراثة من الدول الأوروبية، ٣ علماء بشكل استثنائى من الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلىّ، وأنا الوحيدة من خارج ألمانيا وأمريكا، وهو تشريف لى أحاول استخدامه حاليًا فى عمل أبحاث على التشوهات الخلقية التى تصيب المخ والجهاز العصبى، وهو ما أتاح لى الحصول على تمويل ضخم للغاية يساعد فى علاج أطفال مصريين وإنهاء أمراض وراثية انتهت من العالم وللأسف لا تزال موجودة فى التركيب الوراثى المصرى.
■ هل تنوين الانضمام لأى فريق بحثى بالخارج؟
- بالفعل تلقيت عروضًا من أكثر من جامعة أوروبية وأمريكية، للتدريس والعمل فى كلياتها، حتى إن هناك باحثين عرضوا علىّ توفير معامل وتشكيل فريق من عدة جنسيات للعمل تحت إشرافى، لكن رفضت لعدة أسباب أهمها أن مصر بيئة خصبة للأمراض الوراثية، ولديها تركيب جينى فريد يسمح بحدوث طفرات جينية، والتوصل لاكتشافات علمية نادرة.