لا للتنوير التايوانى!
كل فكرة نبيلة يمكن أن يجملها شخصان، شخص يؤمن بها، وشخص يتاجر فيها.. ينطبق هذا على كل الأفكار.. من حقوق الفقراء إلى حرية الفكر.. ومن الإصلاح الدينى إلى الوحدة الوطنية.. أكثر المطالب ثورية قد يرددها شخص باحث عن منفعة.. قد تجد أحدهم يتاجر بالتنوير بينما هو كان مطية لجماعة الإخوان فى مرحلة من حياته.. ستجده يهاجم التطرف بنفس البراعة التى كان يدافع بها عنه.. والحقيقة أنه لا يؤمن لا بهذا ولا بذاك.. هو يؤمن فقط بمصلحته.. عينه على دفتر الشيكات.. الرصيد فى البنك.. المصالح المادية.. هو ببساطة مثقف لكنه انتهازى، إذا وجد أن الزمن هو زمن صعود الإخوان عمل فى خدمتهم.. وإذا وجد أن الناس فى طريقها لإزاحتهم سن أسنانه عليهم.. ووقف ينتظر الحساب بعد إزاحتهم.. بعضهم كلامه ليس من رأسه.. فهو قد يدافع عن الشيعة مثلًا إذا صادق مليارديرًا شيعيًا.. أو يدافع عن السنة إذا صادق مليارديرًا سنيًا.. أو يدافع عن الأقباط إذا تبناه ملياردير قبطى.. هو لا يؤمن لا بهذا ولا بذاك.. هو يؤمن فقط برصيده فى البنك.. وما دام الرصيد يزيد فهو بخير وأمان.. خطورة هذا النوع أنه يسىء للقضايا الكبرى التى يتحدث عنها، وللشخصيات النقية التى يقترب منها، إنه يحول كل شىء إلى سلعة، ويفكر كيف يبيعها لمن يدفع الثمن.. هذه الأفكار العامة ربما يكون سببها حالة التأهب الكبيرة فى المجتمع للإصلاح الدينى مثلًا.. الإصلاح مطلب عام وقديم.. ظهر على أرضية وطنية مصرية، تبناه رجال مثل سعد زغلول، وقاسم أمين، ومحمد عبده، الثلاثة كانوا تلاميذ جمال الدين الأفغانى، وهو شخصية حمالة أوجه، لكنه تبنى قضية الإصلاح، وحملها بعده تلاميذه، الرئيس السيسى يطالب بالإصلاح أيضًا على أرضية الوطنية المصرية، والفهم لمقاصد الشريعة.. مهم جدًا أن تكون دعوة الإصلاح دعوة مصرية، وطنية، مستقلة.. نحن ندعو للإصلاح لأننا نحب بلدنا وديننا وليس لأننا أصحاب منفعة، هذا ما يجب أن يصل للناس، وهذه هى الحقيقة، عندما تظهر فى المشهد شخصيات موصومة بالعمل لحساب أطراف خارجية فإن هذا مُضر، يستخدمه أعداء الإصلاح، والمتطرفون، ويقلبون به الباطل حقًا، والحق باطلًا.. فى أعقاب أحداث سبتمبر تخصصت مؤسسة مخابراتية أمريكية، هى مؤسسة راند، فى دراسة العالم الإسلامى.. أصدرت توصيات معينة، بعضها يترجم أهداف مؤسسة راند إلى برامج تليفزيونية يقدمها هنا أو هناك، ويتقاضى الثمن.. هم أحرار.. لكنهم يسيئون لمطالب الإصلاح الحقيقية.. أفكار الإصلاح هى نتاج مفكرين حقيقيين دفع بعضهم الثمن غاليًا، كانوا صادقين، ومحترمين، كانوا أصحاب مبدأ لا أصحاب منفعة، كانوا يخدمون قضاياهم لا يستفيدون منها، نحن لسنا فى حاجة لرسل التنوير الأمريكى.. الإصلاح الدينى مسألة مصرية إسلامية يدعو للحوار فيها الرئيس السيسى، الذى أراه يتحمس للإصلاح والاجتهاد كمبدأ عام بغض النظر عن التفاصيل، التى هى محل نقاش بين علماء الدين ودارسيه، وكبار المثقفين.. والمعنى أننا ونحن نخطو خطوة عظيمة فى اتجاه الدعوة للإصلاح، نحتاج لوجوه نظيفة لا لوجوه ملوثة، نحتاج لأصحاب مبدأ لا لأصحاب منفعة، نحتاج لمن يضحى من أجل أفكاره، لا لمن يتكسب من أجل أفكاره، نحتاج لتنوير حقيقى، لا لتنوير تايوانى مضروب.. أصحاب التنوير التايوانى يمتنعون!