نهاية عصر الفئوية
كنت قد شرعت فى كتابة مقال عن «احتكار شاطئ النيل» حين طالعت خبرًا انفرد به موقع «القاهرة ٢٤»، الخبر يقول إن قرارًا حكوميًا صدر بإزالة أسوار وبوابات مارينا لتصبح متاحة للجميع، لم يصدر بيان رسمى حتى الآن.. لكننى أتوقع أن يكون الخبر صحيحًا.. توقعى مبنى على تحليلى لمجمل سياسات الدولة المصرية منذ تولى الرئيس السيسى، هناك اتجاه واضح لإنهاء الامتيازات الفئوية، هذه الامتيازات أفرطت الدولة المصرية فى منحها فى آخر ثلاثين عامًا، فى المجمل النهائى أدت هذه السياسات إلى حرمان الأغلبية العظمى من المصريين من حقوقهم فى أصول الدولة المصرية ومرافقها العامة، لا جدال أن الجلوس على البحر مثلًا هو حق لكل مصرى من المائة مليون، نفس الأمر بالنسبة لشاطئ النيل.. بدأ الأمر فى الساحل الشمالى فى منتصف الثمانينيات، ورغم نزاهة الوزير حسب الله الكفراوى فإن الدولة قسمت الشاطئ على النقابات المهنية، والاتحادات العمالية، وبعض الهيئات الحكومية والقضائية... إلخ.. بدا الأمر فى البداية وكأنه استرضاء للطبقة الوسطى، أو رشوة مقدمة لها، ولكنها كانت رشوة قاصرة النظر، كانت أضرارها أكثر من نفعها، تمت مصادرة عشرات الكيلومترات من الشواطئ الساحرة لحساب بضعة آلاف سمحت لهم ظروفهم بامتلاك هذه الشاليهات، حُرم المواطن العادى من حق الاستمتاع بشاطئ بلاده، ونمت بذرة التفرقة بين المصريين، وتقلصت المساحات العامة التى تجمع بين أفراد الشعب كله، وتعززت هذه التفرقة بتدهور التعليم العام الذى كان يضم مصريين من كل الشرائح الاجتماعية، فى المدرسة التوفيقية فى نهاية الثمانينيات كان الفصل الذى أدرس فيه يضم أبناء أثرياء مع أبناء موظفين مع أبناء فقراء، وتكرر نفس الأمر فى الجامعة، لم يعد هذا موجودًا مع منتصف التسعينيات، تراجع المجال المشترك، أصبح للقادرين شواطئهم ومدارسهم وجامعاتهم ومجمعاتهم السكنية، ضاعف هذا من إحساس الفرقة، بالإضافة إلى أن البسطاء فقدوا فرصة التعلم من أنماط حياة الشرائح الأفضل تعليمًا وقدرة اقتصادية.. كانت هذه إحدى خطايا نظام مبارك التى دفع ثمنها فى يناير ٢٠١١، التى كان يمكن أن تتمدد فى موجة أخرى يأكل فيها من تم استبعادهم كل شىء، لكن ثورة يونيو ٢٠١٣ قامت كحركة إصلاحية تعى جيدًا أخطاء الماضى، سياسة نهاية عصر الفئوية التى تبناها الرئيس السيسى عبّرت عن نفسها فى مدينة العلمين الجديدة، المدينة تعبر عن طموح استثمارى، ورغبة فى تصدير العقار المصرى للأشقاء العرب، وللقادرين المصريين، لكنها فى نفس الوقت مدينة مفتوحة، غير مغلقة، شاطئها عام تمامًا مثل أى شاطئ إسبانى، أو فرنسى، لكل الناس.. نفس ما حدث فى الساحل الشمالى حدث حرفيًا على شواطئ نيل القاهرة والجيزة، تم تقسيم الشاطئ على نقابات وهيئات وأندية مختلفة، هذه الأندية عضويتها مغلقة، وبالتالى يحرم من ليس عضوًا فيها من الدخول والاستمتاع بشاطئ النيل، فضلًا عن أن بعضها مهجور، والإقبال عليه ضعيف، هذا الاحتكار ليس دستوريًا، ويخل بمبدأ إتاحة النيل لكل المصريين، مطلوب قرارات مبدعة وجريئة، قد يكون الحل مثلًا فى شركة استثمارية قابضة تدخل فى شراكة تجارية مع كل النقابات والهيئات التى لها أندية على النيل، يتم تطوير هذه الأندية ووضع استثمار فيها مقابل فتحها للجمهور العادى ومع السماح طبعًا لأعضاء الأندية بالدخول، هذه الأندية فى حال تطويرها يجب أن تقسم لفئات سياحية «خمس نجوم، وأربع نجوم، وثلاث نجوم» لأن المواطن البسيط أيضًا من حقه أن يرى النيل، هذا يضاعف من شعور الانتماء لدى أى فرد، يمكن أن يكون الحل أكثر ثورية، مثل قرار سيادى بنزع ملكية هذه النوادى للمنفعة العامة، وإتاحتها لكل المصريين.. وقد تكون هناك حلول أخرى أكثر إبداعًا يتم التوصل إليها إذا ما آن أوان طرح الموضوع.. فى كل الأحوال فإن إغلاق الشواطئ على فئات معينة من المصريين، كان من أغبى قرارات الحكومات المصرية من جميع الجهات وكانت له آثار اجتماعية وسياسية واستثمارية مدمرة، وكان يعبر عن نوع من المحسوبية آن له الأوان أن ينتهى.. لأنه لا محسوبية فى العصر الجديد، كما تقول كل الشواهد.