خطيب الأزهر: الصدق ضمانة لأمن المجتمعات
ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور محمود الهواري، الباحث الشرعي بهيئة كبار العلماء بالأزهر، والتي دار موضوعها حول "الصدق".
قال الدكتور الهواري، لقد رغب الإسلام في الصدق وحث عليه في مجالات الحياة كلها واهتم به اهتمامًا كبيرًا، ولأهمية الصدق والعناية به في شئون الحياة كلها تضافرت نصوص القرآن والسنة في الحث عليه والتحلي به؛ فقد ورد لفظ "الصدق" في القرآن الكريم في ثلاثة وخمسين ومائة (153) موضعًا، والأنبياء عليهم السلام كلهم موصوفون بالصدق، قال تعالى "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا"، وقال سبحانه: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا"، وَوُصِفَ يوسف عليه السلام بالصدق حينما جاءه الرجل يستفتيه فقال: "يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ"، وقد كان- صلى الله عليه وسلم – مشهورًا بالصدق قبل البعثة وبعدها؛ فكان يلقب قبل البعثة بالصادق الأمين؛ وبعد البعثة المباركة كان تصديق الوحي له مدعاة لأن يطلق عليه أصحابه «الصّادق المصدوق»، ولأهمية الصدق والحث عليه أمر الله المؤمنين أن يكونوا دومًا في زمرة الصادقين؛ فقال "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ".
وأضاف الهواري، إن كثيرًا من الناس يعتقد أن الصدق مقتصر على مطابقة الخبر للواقع، وهذا أحد أنواع الصدق؛ وهناك أنواع أخرى للصدق تتمثل في أولًا: صدق اللسان، وهو الصدق في الأقوال؛ وهو أشهر أنواع الصدق وأظهرها؛ وصدق اللسان لا يكون إلا في الإخبار، وحقٌّ على كلِّ عبد أن يحفظ ألفاظه، فلا يتكلم إلا بالصدق؛ وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم الصمت – إذا كان الكلام يجلب شرًا – شعبة من شعب الإيمان؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ"، وقال الإمام النووي "اعلم أنه ينبغي لكل مكلفٍ أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلامًا ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرامٍ أو مكروهٍ؛ وذلك كثيرٌ في العادة، والسلامة لا يعدلها شيءٌ، ثانيًا: صدق النية والإرادة، ويرجع ذلك إلى الإخلاص، وهو ألا يكون له باعث في الحركات والسكنات إلا الله تعالى، فإن مازجه شوب من حظوظ النفس بطل صدق النية، وصاحبه يجوز أن يسمى كاذبًا. يقول الله عز وجل "فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ"، ثالثًا: الصدق في المعاملات، لأنه يورث الثقة بين المتعاملين؛ كما أنه سبيل إلى بركة البيع والشراء؛ فَعَن حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا"، وهو ما يحقق المنفعة للجميع ويعد ضمانة لأمان المجتمعات.
وأوضح خطيب الجامع الأزهر، أن ما يعين المرء على الصدق أن يستشعر مراقبة الله تعالى، فإن إيمان المرء بأن الله عز وجل معه، يبصره ويسمعه؛ يدفعه للخشية والتحفظ، قال الله تعالى "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"، وعندما يستحضر العبد أن كلماته وخطراته، وحركاته وسكناته كلها محصاة ومكتوبة "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"، فإن ذلك يقوده إلى رياض الصدق في الأقوال والأعمال والأحوال.