رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صاحب الرؤية

ما قاله الرئيس أمس يكشف عن دراسته المشكلة المصرية واجتهاده فى إيجاد الحلول لها

كان بإمكان الرئيس أن يكتفى بتسكين الأوضاع وحفظ الاستقرار لكنه قرر تفجير مشكلة التخلف

السيسى رئيس صاحب رؤية وليس رئيسًا تنفيذيًا.. والحكام أصحاب الرؤية معدودون فى تاريخ مصر

أكتب بعد ساعة من المشاركة فى إفطار الأسرة المصرية وافتتاح مشاريع الإسكان المختلفة، لا أريد أن أستسلم للكتابة الحماسية، رغم أن ما يحدث يثير الحماس بالفعل، ولا للعاطفة الوطنية، فالعواطف تحتمل أن يكون صاحبها صادقًا أو كاذبًا، وكلاهما موجود بوفرة فى هذا الزمان، لكننى أتوقف أمام المنطق الذى طرحه الرئيس، وهو منطق قوى ومقنع، وبداية أسجل أن الرئيس لا يحتاج إلى إعلام يشرح أفكاره فهو خير من يشرح نفسه للناس، وهو يجيد التواصل مع البسطاء، لأنه لم ينتم إلى غيرهم.. تحليل خطاب الرئيس، أمس، يكشف عن أنه صاحب رؤية، أنه ليس رئيس تسكين الأوضاع، ولا بقاء الحال على ما هو عليه، أنه رجل يحلم بدولة قوية وعصرية، ويسعى لتحقيق ذلك بكل ما أوتى من قوة، ويسخر له كل الوسائل الممكنة، من هذه الوسائل قدرته على العمل المتواصل الدءوب، ومنها قدرته على التفكير المنظم، هو بكل تأكيد ليس رئيس الصدفة، كان لديه حلم لمصر منذ مطلع شبابه، وسمحت له الظروف بأن يحول أحلامه إلى حقيقة، هو يتسلح إذن بدراسة طويلة للمشكلة المصرية، وبتصور للحلول الممكنة لها، هذا التصور ساعدته عليه المناصب المهمة التى شغلها فى الجيش المصرى، وهو مدرسة إدارية ووطنية كبيرة، من وسائل تحقيق الحلم أيضًا نزاهته الشخصية، وبعده عمَّا يثير الريبة، ورفضه لشلل المنتفعين بمصر، الذين ذهبوا إليه وقت ترشحه عارضين الغالى والنفيس، مقابل بقاء الحال على ما كان عليه، لكنه اعتذر عن مقابلتهم من الأساس، وأثبتت الأيام أن كل ساقٍ سقى بما سقى، أما على أرض الواقع فقد كانت أدوات تحقيق الحلم قليلة العدد، لكنها نافذة التأثير، أهم هذه الأدوات كانت المؤسسة العسكرية المصرية.. العملاق الذى سخره السيسى لخدمة الناس لا لأى شىء آخر.. مؤسسة كبيرة ذات إمكانات عملاقة، وأداء منضبط، وخبرات متراكمة، قادت عملية البناء مع آلاف الشركات المدنية، يمكن القول إن الرئيس لم يترك حجرًا على حاله فى مصر منذ تولى الحكم، بالأمس كنت أمر أمام حديقة الميريلاند.. وجدت لافتة عملاقة، تعلن عن تطوير ملاهى غرناطة، على يد إحدى شركات القطاع العام. وخلف السور مدرجات تشبه مدرجات متفرجى الخيل فى الأفلام القديمة، هذه الملاهى مغلقة منذ سنوات.. قلت لنفسى حتى الملاهى لم تسلم من التطوير فى عهد السيسى.. هذه الحكاية ليست طرفة، هو رجل لديه رغبة فى استغلال كل مليم تملكه الدولة المصرية، ووضعه فى مكانه الصحيح.. إلى جانب القوات المسلحة كمارد طيب يستخدمه السيسى فى تحقيق أحلام البناء، هناك مجموعة من التنفيذيين الأكفاء من التكنوقراط، خبراء فى مجالهم، كلهم فى سن الشباب، ليس منهم رجال أعمال ولا أصحاب مصالح، هدفهم خدمة الوطن، حياتهم مثل حياة أقرانهم من الخبراء وأساتذة الجامعات وأصحاب الشهادات المتميزة، لا أكثر ولا أقل، هؤلاء يديرون ستة ملايين موظف فى الجهاز الإدارى المصرى، معظمهم ليس بالحماس الكافى ولا بالتأهيل المطلوب، ومع ذلك تحقق الدولة كل هذه الإنجازات، فكيف يكون الحال لو كان الستة ملايين موظف جاهزين لتنفيذ المهام.. كنا وقتها سنصبح فى مكان آخر.. ولكنّا أيضًا فى مكان جيد جدًا.. كانت مصر تسير نحو الانهيار.. مصير تونس كان بالنسبة لنا سيصبح رفاهية.. كنا نسير فى طريق الانهيار والحرب الأهلية.. السيسى حول الدفة، نعم دون استظراف كنا نسير فى طريق سوريا وليبيا.. وهو لم يكتف بتخليص مصر من الإخوان.. أو أن نعيش معه «أزهى عصور الاستقرار» كما كانت تقول دعاية العصر السابق لمدة ثلاثين عامًا.. حتى تعفنت البلد من الاستقرار.. لكنه رجل يسابق الزمن.. فى مطعم «استوريل» فى طلعت حرب قال لى الشاعر الليبى محمود البوسيفى، نقيب الصحفيين الليبين السابق، السيسى أنقذ مصر من مصير سارت إليه المنطقة كلها.. على مقهى فى شارع قصر العينى قال لى زميل يمنى يدرس العلوم السياسية.. مصر أم الدنيا.. أنا أدفع خمسة جنيهات فقط لأكشف فى مركز الصحة.. هؤلاء الأصدقاء لا يريدون شيئًا من أحد.. هم فقط يقولون ما يشعرون به، وأنا أسجل شهادتهم للتاريخ وللأمانة الصحفية، طرح الرئيس أمس رؤيته.. المبلغ المخصص للدعم قيمته ثلاثة تريليونات جنيه كاملة فى عشر سنوات، تكفى لحل مشكلة الريف المصرى للأبد ومشكلة العشوائيات للأبد، ويفيض منها ما يكفى للاستثمار فى الصناعة والزراعة وزيادة الناتج القومى.. هذا الرجل كان بإمكانه أن يفعل كما فعل غيره، يترك الفقراء على حالهم، يلقى لهم الدعم كرشوة تسكن جوعهم ولا تغير أحوالهم.. يأكلون وتتراكم الشحوم على أجسامهم، يعيشون فى مساكن غير آدمية وينجبون أطفالًا يعيشون نفس الحياة.. يموتون ويتركون أطفالهم لنفس الحياة، ويأتى حاكم آخر ليقرر استمرار الدعم واستمرار نفس نمط الحياة.. بينما فى مكان آخر من الوطن هناك من يفسد ويسرق ويراكم المليارات ويهربها إلى الخارج.. كان هذا حال مصر الذى قرر أن يغيره الرئيس.. قرر أن يغير حياة الناس للأبد بدلًا من أن يلقى إليهم بعض الفتات.. هو إذن رجل شجاع وأمين وصاحب رؤية.. ومصر منذ زمن طويل تنتظر صاحب الرؤية.. وها قد جاء زمانه.. فتحية له على كل شىء.