الدولة تحارب الفقر بدلًا من رشوة الفقراء
الرئيس السيسى هو «رجل التفاصيل الدقيقة» تتأكد هذه القناعة عندى كلما استمعت إليه، إنه يلم بكل التفاصيل، ويدرس الملف الذى سيتحدث فيه، ويحفظ الأرقام.. كان هذا واضحًا وهو يتحدث عن ملف التغذية فى المدارس مثلًا.. وهو أول رئيس مصرى يلم بكل التفاصيل بعد جمال عبدالناصر، فالرئيس السادات كان يكره التفاصيل الدقيقة ويهتم بالرؤية الكلية، والرئيس مبارك كان يوكل رؤساء الوزارات بالعمل التنفيذى والتفاصيل، فكانت حالة البلاد تتحسن إذا صادفت رئيس وزراء جيدًا من طراز عاطف صدقى، وتتدهور للغاية إذا صادفت رئيس وزراء محدود الإمكانات.. الرئيس السيسى ليس كذلك وهذا واضح جدًا.. يدركه المصريون العاديون ويطلق بعضهم «الكوميكس» حول براعته فى تدبير الأموال للمشروعات المختلفة، ويستغلون بعض الصور التى يبدو فيها ممسكًا بورقة وقلم.. أو يتحدث لرئيس الوزراء د. مصطفى مدبولى.. الرئيس ليس موظفًا ينتهى من ساعات الدوام ليفرغ لحياته، ولكنه رجل يحاول أن يترك بصمته فى تاريخ مصر، لذلك توقفت كثيرًا حول ما قاله عن شكل الوجبة المدرسية.. إنها يجب أن تغلف بأناقة.. ليشعر الطفل بأن هناك من يهتم به.. هكذا قال الرئيس.. ما لم يقله إن الطفل سيشعر بأن الدولة ترعاه.. تهتم به.. لا تمنحه إحسانًا ولا صدقة.. تمنحه حقه.. المدهش أن الرئيس يعرف الشكل الذى كانت توزع به الأغذية المدرسية ونوعيتها أيضًا.. لأنه رجل تفاصيل ورجل معلومات بالأساس.. فقد قال الرئيس مرة وهو غاضب «أنا موش بتاع سياسة» لكن الحقيقة أن كل ما يفعله يشى بأنه سياسى للغاية.. أن تعيد للدولة دورها المفقود فهذه سياسة.. أن تربى الطفل على أن الدولة مهتمة به.. فأنت تهزم التطرف بالضربة القاضية.. أن تدرك أن تغذية الطفل تنتج لك مواطنًا سليمًا يبنى نهضة فأنت زعيم ولست موظفًا تعتبر مصر مكافأة نهاية الخدمة.
كيف يعتمد الرئيس ٧٠٠ مليار لمشروع حياة كريمة، ثم يقرر رفع رغيف الخبز؟ هل هذا تناقض؟ من وجهة نظرى لا.. الدولة الآن تحارب الفقر.. لا ترشو الفقراء.. إجمالى دعم الخبز حوالى ٣٦ مليار جنيه.. يتسرب جزء كبير منها لأصحاب المخابز عبر عشرات الحيل، يستخدم جزء كبير منها فى مزارع الدواجن، لأنه بعد دعمه يصبح أرخص من أى علف للدواجن.. هذا الدعم لا بد من ترشيده وليس إلغاءه.. لم يخلق الله الأرض والرغيف بخمسة قروش.. كان بمليم.. ثم أصبح بمليمين.. ثم بثلاثة وهكذا.. وهو بخمسة قروش منذ ثلاثين عامًا تقريبًا.. ارتفعت خلالها نسب التضخم مئات المرات وهو ثابت على حاله.. لا بد من تحريكه بالطبع.. وإن كنت أطلب أن يعتمد الرئيس على تقرير وزارة التضامن وأبحاثها حول الفئات المستفيدة من دعم الخبز.. وهل يمكن توجيه المتوافر من دعم الخبز لمعاش تكافل وكرامة مثلًا؟.. أقترح أن يتم رفع السعر بالقدر الذى يوفر فقط الـ٨ مليارات اللازمة للتغذية المدرسية.. وهو بالصدفة ربع المبلغ المخصص لدعم الخبز «٣٦ مليار جنيه».. على الفيسبوك تطالعنى منشورات لصفحة آسفين يا ريس.. ناشر الصفحة له علاقة ما بأسرة الرئيس مبارك.. ينشر أن الأسعار كانت رخيصة بسبب الدعم.. نعم.. ولكن كل شىء كان يتدهور لأن الدعم كان يلتهم كل الميزانية.. وكان الهدف هو رشوة الناس وتسكين آلامهم.. لم يكن الهدف إحداث نهضة ولا تطوير ولا تعمير.. كانت الدولة تسكن آلام الفقراء وتترك اللصوص يمارسون عملهم بكل جد واجتهاد.. فُتات تلقى للفقراء ومليارات تتراكم فى خزائن شلة معروفة وحساباتها فى الخارج.. أنت تقول لى إن الأسعار كانت رخيصة فى الماضى.. وأنا أقول لك إن الطعام كان مجانيًا فى ليبيا فى زمن الرئيس القذافى.. فأين ليبيا الآن؟ وأقول لك إن خيرات الله كانت متاحة مجانًا فى العراق فى زمن الرئيس صدام.. فأين العراق الآن؟ ونفس الأمر فى سوريا ما قبل الحرب الأهلية.. فأين سوريا الآن؟ طبعًا أنا أتمنى أن تعود هذه الدول الشقيقة للاستقرار والازدهار بإذن الله.. لكن أفخر بأن مصر موجودة.. تمضى للأمام.. تبنى.. وتعمر.. وتزدهر.. يثق شعبها فى نزاهة قيادته فلا يثور رغم المعاناة.. لأننا جميعًا ندفع ضريبة عقود من الإهمال والفساد والجمود ولا يمكن أن نلوم الطبيب إذا كان طعم الدواء مرًّا.. أو تطهير الجرح يتسبب لنا فى بعض الألم.