الإجابة مصر
منذ عشر سنوات وما يزيد اندلعت أولى شرارات ما اصطلح على تسميته إعلاميًا بـ"الربيع العربي" في تونس الخضراء وانتقلت تلك الشرارات لتطال بعض دول الجوار وبمرور الوقت تحول الربيع العربي إلى محرقة أقرب للهولوكست العربي والكابوس الذي حل على المنطقة بأسرها بعد أن عمت الفوضى التي خطط وروج لها من قام بدعم الحركات الراديكالية الإرهابية، واعتبر ذلك خلقًا جديدًا وشيئًا خلاقًا وتشكلت كيانات لم تكن خلاقة ووضعت خارطة لشرق أوسط جديد كان يهدف حتمًا للتقسيم والتشرذم والتقزيم وكأنه (سايكس بيكو) جديدة انهارت أمام إرادة شعب انتصر لنفسه فغير قدره ومصيره بعد ثلاث سنوات عجاف، تجرعها الشعب المصري الذي استفاق في الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ ليلهم بثورته تلك من حوله بعد ضياع العراق وتقطيع أوصال سوريا وتدمير ليبيا ولم يعد هناك جيش عربي في المنطقة بأسرها سوى جيش مصر الذي انحاز لثورة الشعب في ذلك التاريخ الذي أعاد ترتيب بل وتشكيل خريطة العالم كله وليس فقط خريطة العالم العربي والشرق الأوسط، وها هي تونس وبعد عشر سنوات من الصعود والهبوط تسير على هدى السيناريو المصري والثورة المصرية التي كان لها قصب السبق في مضمار الثورة الحقيقية التي لا علاقة لها بالفوضى من قريب أو بعيد، إذ كانت هي الثورة التي قضت على الفوضى.
لقد كانت ثورة الثلاثين من يونيو هي الثورة الخلاقة الملهمة التي وجهت صفعة للتيار المتأسلم وأحدثت إفاقة للمنطقة بأسرها ليسقط مشروع الفوضى التخريبي وينتهي وللأبد مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي كان مخططًا له أن يحكمه الإسلام السياسي المسلح!
وأنقذت مصر جميع دول الجوار من مصير العراق وليبيا وأفغانستان وإيران التي ما زال يحكمها الملالي ويرزح شعبها تحت حكم الفقيه وولايته.
ليستفيق الجميع ويهب شعب تونس اليوم من أجل طرد ولفظ آخر معاقل الإخوان في العالم العربي بعد الإصلاحات الناجزة التي قام بها ولي عهد السعودية في بلاده وسدد بها ضربات موجعة لتيار الإسلام السياسي وربما لم يكن يتسنى له ذلك إلا بعد نجاح ثورة الثلاثين من يونيو في مصر أولًا، والتي منحت الجميع القوة والمقدرة بل وكانت هي إشارة البدء وبشرة الخير لكل دول المنطقة، لتحذو حذوها وها هي تونس تنتفض ويطالب رئيسها الشعب بالنزول للشوارع والتمسك بالشرعية ودعم الرئيس المنتخب وطرد فلول الإخوان ومنع اللصوص - المتكئين على النصوص - من مغادرة البلاد ووقف الجيش التونسي إلى جوار الشعب والشرعية ليحمي البلاد من محاولة تقويضها واختطافها لصالح الجماعة الراديكالية الإجرامية التي ما دخلت بلد إلا ودمرتها وقضت على خيراتها ومقدراتها.
لقد وجه الرئيس التونسي خطابه لشعبه من شارع الحبيب بورقيبة، وللمكان دلالة ورمزية لا يمكن غفلانها، فإسقاط فلول الإخوان يعني تمسك التوانسة وعودتهم لمربعهم الآمن ومكتسبهم التاريخي وهو (العلمانية) التي فرضها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، وأنقذ بها البلاد لسنين طويلة وكانت الإجابة تونس ولكن وبفضل ثورة الثلاثين من يونيو في مصر - وأفضال تلك الثورة وذلك التاريخ لا تعد ولا تحصى - صارت الإجابة هي مصر وصار سيناريو الثورة المصرية هو الطريق المضمون والمجرب والآمن للتخلص من الجماعة الإرهابية وإسقاط حكم المرشد والنهوض بالبلاد من غفوتها واستردادها من أيادي خاطفيها وبما أن الثورة المصرية كانت هي السباقة، فقد تكبدت آنذاك ما تكبدت من ادعاءات واتهامات ألصقت بها لتكشف لنا الأيام بالدليل والبرهان ودون مبررات أو حاجة إلى شرح أن ما تم في مصر كان ثورة بالمفهوم العمودي للكلمة، وأدرك واستوعب العالم بأسره ذلك فبطلت نغمة الانقلاب التي تغنى بها المغرضون إبان الثورة المصرية لإجهاضها والتشكيك فيها، وما يحدث في تونس الآن - وإن كان يسير ببطء - ولكن في الاتجاه الصحيح لذلك لم يجرؤ أحد على ترديد مصطلح الانقلاب هذه المرة - فقط أنصار الغنىوشي هم من أطلقوا ذلك المصطلح المغرض على الرئيس التونسي - وزايد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورددوا ذات المصطلح! فسارعت الولايات المتحدة وألمانيا والسعودية لمباركة جميع إصلاحات وإجراءات الرئيس التونسي - التي تتماشى مع الدستور والقانون - ودفعه بالجيش لتولي زمام الأمور وقيادة المحافظات وحماية الوزارات السيادية وهيئة الإذاعة والتليفزيون ومقار الحكومة وقصر قرطاج والبرلمان - الذي منع الغنوشي من دخوله - تمامًا كما سبق ومنع المعتصمون في مصر إبان ثورة الثلاثين من يونيو دخول الوزير الإخواني لمقر وزارة الثقافة في اعتصام مشهود للمثقفين المصريين أمام مقر وزارة الثقافة والذي يمكن - وبمنتهى الأريحية - استدعاؤه الآن بوصفه فعلًا ملهمًا يؤكد مرةً أخرى على أن الإجابة هي مصر وإن الثورة المصرية التصحيحية هي الثورة الحقيقية الملهمة الخلاقة وأنها النموذج الذي ستطبقه دول الجوار في الشرق الأوسط الجديد الذي سيقضي حتمًا على فلول الإخوان وأي محاولات لأسلمة الشرق وتقويضه لصالح العصابات والجماعات الإجرامية المسلحة.
وكما ردد التوانسة عام ٢٠١١ أشعار أحمد فؤاد نجم وأبي القاسم الشابي، ها هم يستفيقون ويصححون ما أفسده الإخوان وما أحدثوا من فوضى تدميرية أسموها بالربيع العربي ولم تعد تلك الأكذوبة تنطلي على أحد، لذلك يردد الشعب الذي يريد التغيير والتصحيح في تونس الآن شعار ومقولة تقول - لكم ربيعكم ولنا ربيعنا - فالربيع العربي الحقيقي بدأ في الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ في مصر ليزهر من جديد بعد ثماني سنوات في يوليو ٢٠٢١ في تونس التي تسترد اليوم عافيتها وعلمانيتها ولونها الأخضر البهي.