تلاعب التنظيم الخاص للإخوان بآيات القرآن الكريم
الموقف الثانى:
خرجنا من المقال السابق بأن الإمام الشيخ محمد متولى الشعراوى قد انكشف له الوجه القبيح للإخوان، حينما سمع حسن البنا يقول عن الزعيم مصطفى النحاس: «وهو أعدى أعدائنا، لأنه زعيم الأغلبية، وهذه الأغلبية هى التى تضايقنا فى شعبيتنا، أما غيره من الزعماء وبقية الأحزاب فنحن نبصق عليها جميعًا فتنطفئ وتنتهى».
وأن «الشعراوى» عقَّب على هذا بأنه كان كاشفًا له عن حقيقة نوايا الإخوان، وأن المسألة ليست دعوة وجماعة دينية، وإنما مسألة سياسة وأغلبية وأقلية وطموح للحكم، فقال: «وفى تلك الليلة اتخذت قرارى وهو الابتعاد، وقلت سلام عليكم، قلتها بكل أدب وابتعدت عنهم، كان ذلك سنة ١٩٣٨م».
وقد ازدادت صدمة الإمام الشعراوى فيهم فداحة بهذا الموقف التالى، الذى رأى فيه أمام عينيه أن حسن البنا أصلًا لا سيطرة له على جماعة الإخوان:
وأنه شاهد عبدالرحمن السندى يزق حسن البنا فى مقر الجماعة بالحلمية، ويكاد يوقعه على الأرض، ففى الحوار الذى أجراه معه الأستاذ سعيد أبوالعينين، والمنشور فى كتابٍ عنوانه: «الشعراوى الذى لا نعرفه»، الصادر عن دار أخبار اليوم، ط٤، سنة ١٩٩٥م، يقول الإمام الشعراوى: «لقد تحولت المسألة داخل الجماعة إلى مراكز قوة ضد الشيخ نفسه، وأنا رأيتُ بعينى عبدالرحمن السندى- رئيس الجهاز السرى بالإخوان- وهو يزق الشيخ حسن البنا، ويكاد يوقعه على الأرض، لولا تساند الشيخ على من كانوا يقفون خلفه، رأيت هذا بعينى فى مقر الإخوان بالحلمية».
التعليق على هذا الموقف:
الصورة التى انكشفت أمام عينى الإمام الشيخ الشعراوى: مركبة من عدة أجزاء:
أولًا: حسن البنا غرضه الحقيقى الوصول للحكم وليس الدعوة إلى الله، وأنه ينظر لخصومه بأنه يبصق عليهم فينطفئ أمرهم، وكفى بهذا انحرافًا عن مواريث النبوة.
ثانيًا: حسن البنا مع هذا الخلل الفادح فى منهجه لا يسيطر على الجماعة، بل يسيطر عليها التنظيم الخاص المتورط فى القتل والاغتيالات، كاغتيال النقراشى باشا.
ثالثًا: سبب قتلهم واغتيالهم خصومهم هو تورطهم فى التكفير، وإصدارهم حكم التكفير على النقراشى باشا وغيره، كما هو موثق فى مذكرات عدد من أعضاء التنظيم الخاص، بل كان الإخوان يظهرون الفرح والسرور والاستبشار بقتل مخالفيهم، وأنت ترى ذلك عيانًا فى قول القرضاوى فى مذكراته «ابن القرية والكتاب»: «ولقد قابلنا- نحن الشباب والطلاب- اغتيال النقراشى بارتياحٍ واستبشار، فقد شفى غليلنا، ورد اعتبارنا، ومما أذكره أنى نظمت بيتين فى هذه المناسبة، يعبران عن ثورة الشباب فى هذه السن، خطابًا لعبدالمجيد حسن، قاتل النقراشى، كان الطلاب يرددونهما، هما:
عبدالمجيد تحية وسلامُ * أبشر فإنك للشباب إمامُ
سمَّمْتَ كلبًا جاء كلبٌ بعده * ولكل كلب عندنا سمَّامُ».
والإمام الشعراوى الذى صدم فى الإخوان وتبينت له حقيقتهم، وفارقهم سنة ١٩٣٨م كان يعيش فى مجتمع بلاده، وكلما مر الزمن وتوالت السنوات ازداد رصده لفداحة أمر الإخوان، وتورطهم فى التكفير والقتل.
ولذا قد أقر الإمام الشعراوى بأن حسن البنا لم يخرج من معطفه إلا العنف، وقد أجرت مجلة المصور، حوارًا مهمًا جدًا مع الإمام الشيخ محمد متولى الشعراوى، عنوانه: «حوار مع الشعراوى»، منشور فى العدد رقم ٢٩٩٦، بتاريخ ١٢ مارس ١٩٨٢م، ١٦ جمادى الأولى ١٤٠٢ هجرية.
وفى هذا الحوار سُئل الإمام الشيخ محمد متولى الشعراوى: الشيخ البنا كان من أهم دعاة الإسلام، ولكننا نرى أن ما خرج من معطفه هو العنف؟
فأجاب: «حين أُوجد تنظيمًا لأقوى به على غيرى.. أأمن ألا يقوى علىّ هذا التنظيم؟ إن هذا ما حدث للشيخ حسن البنا، حدث أن التنظيم الذى كان يريد أن يقوى به على غيره قوى عليه هو، وانتهت المسألة وحل الإشكال، مثل ما شكينا من مراكز القوى، مراكز القوى بهم كانت وعليهم آلت، وهذا هو الذى جعلنا لا نعمل تنظيمات».
الموقف الثالث:
تعددت الصدمات الفادحة التى تلقاها الإمام الشيخ الشعراوى فى جماعة الإخوان، والتى أكدت له قطعًا انحرافهم، وأن المسألة مسألة طموح وحكم وأغلبية وأقلية، وليست مسألة دين ودعوة وتربية، وقد تلقى هذه المرة صدمة أخرى لم يكن ليتوقعها، حيث إن جماعة الإخوان كانت تدعم إسماعيل صدقى، الذى شاع حينها أنه أحد رموز الديكتاتورية، ففوجئ الشيخ بأن الأمر تحول إلى متاجرة سياسية بالقرآن، حين ألقى مصطفى مؤمن، زعيم الإخوان فى جامعة القاهرة، خطبة فى مدح إسماعيل صدقى، قال فيها: «واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صدِّيقًا نبيًا»!!
التعليق على هذا الموقف:
مرارة هائلة تلك التى كان يشعر بها الإمام الشعراوى، وهو يرى الاستخفاف بآيات القرآن العظيم، والاستشهاد بها على هذا النحو المغلوط، والتلاعب بآيات الذكر الحكيم على هذا النحو، الذى يفتح بابًا كبيرًا من الخطر، حينما ينجرف الجميع للتعدى على قداسة القرآن بتأويلات الجاهلين، وانتحال المبطلين، وتحريف الغالين.
ولأجل هذا تبلور عند الإمام الشعراوى منظور إجمالى للإخوان، وهو الانتهازية التى عبّر عنها هو بأنهم يعملون بمبدأ «فيها أو أخفيها»، يقول الإمام الشيخ الشعراوى فى ذلك: «لو أن حركة الإخوان المسلمين ظلت كما قلت، وطلبت من الحاكمين أن يحكموا بالإسلام، أكان يستطيع حاكم أن يضطهدهم؟ هل نشأت الجماعة لتحكم هى أم أن هدفها كان أن تُحكم بالإسلام؟ المخلص للإسلام ماذا يريد؟.. يريد الإسلام.. فمن غير الضرورى أن أكون أنا الحاكم، وعلىَّ أن أقول للحاكم أن يتفضل ويحكمنى هو بالإسلام، أقول له اطمئن على أنك ستبقى فى مركزك، وهنا أكسب أخذ المبدأ، وهو أن أُحكم بالإسلام، وبعد ذلك علىَّ أن أتحمله مدى حياته، إنما منطق (فيها أو أخفيها) فهو ما لا يوصل لشىء!».
وسوف أستكمل فى المقالات التالية رصد كل تلك المواقف وتحليل أبعادها، لكشف مدى رفض الإمام الشعراوى لهم ولمنهجهم.