«الشعراوي» لم يكن من الإخوان.. لكنّهم استغلوه
علاقته بالإخوان بدأت عام ١٩٣٧ واختلف مع الجماعة بسبب موقفها من النحاس باشا
كان يرى أن غلطة الجماعة هى الاستعجال فى الوصول للحكم
أصحاب شركات توظيف الأموال ورطوه فى الدفاع عنهم فطالب الحكومة بحسن نية بعدم إغلاقها
هذا حوار على أرضية من الاحترام.. أرفع فيه شعار أننى أحترم الشعراوى ولا أقدسه.. وأجتهد فأقول إننى أحاكم الشيخ على أرضية الوطنية المصرية، لا على أى أرضية أخرى، فلا أنا عالم دين ولا مطلوب منى أن أكون كذلك.. لقد أسعدنى وأثلج صدرى أن يقبل العالم الكبير د. أسامة الأزهرى دعوتى له للحوار حول فضيلة الشيخ الشعراوى على صفحات جريدة الدستور تحت شعار «الشعراوى ما له.. وما عليه»، والحقيقة أن ما للشيخ الشعراوى كثير.. لكن ما عليه كثير جدًا!
وقد اتفقت مع العالم الدكتور «الأزهرى» على أن يكون موقف الشيخ من جماعة الإخوان هو محور الحلقة الأولى من هذه المناظرة.. وموقفى فيها عكس موقف الشيخ أسامة على طول الخط، فأنا أرى أن الشيخ تحالف مع الجماعة وروج لأفكارها وحقق أهدافها، رغم أنه لم يكن عضوًا فيها.. والدكتور أسامة لا يرى ذلك.. وأسانيده موجودة على الجانب المقابل من هذه الصفحة.. والحقيقة أننى تحريت الأمر من جوانبه المختلفة.. وعدت للمتاح من المصادر وقرأتها مرة واثنتين.. وانتهيت إلى عبارة شاعت بين المصريين فى أعقاب قفز الإخوان على السلطة، للتعبير عن فصيل كان يعمل فى خدمة الجماعة دون أن يكون عضوًا من أعضائها، وكان الشخص من هذا الفصيل يقدم لحديثه قائلًا إنه ليس من الإخوان ولكن يحترمهم!، والمعنى أنه فى صفهم السياسى ويسعى لتحقيق أهدافهم دون أن يكون عضوًا فى تنظيمهم.. والحقيقة أننى أُجل الشيخ الشعراوى عن أى سخرية.. لكن الحقيقة أيضًا أننى أرى أن هذا الوصف ينطبق عليه.
لقد سارت خطوات الشيخ مع الجماعة كتفًا بكتف، وساقًا بساق.. فعندما اختفى أعضاؤها فى السجون بعد ثورة يوليو.. اختفى هو أيضًا من مصر فى سفر طويل سعى إليه وصمم عليه.. وعندما عادت الجماعة إلى الساحة فى السبعينيات.. عاد هو أيضًا وصار نجمًا يُشار إليه بالبنان.. وعندما لاذت الجماعة بالمملكة العربية السعودية «نتكلم عن الماضى وليس عن مملكة سلمان بن عبدالعزيز وولى عهده المستنير» عندما لاذ الإخوان بالسعودية وتم توظيفهم ضد مصر.. كان الشيخ معهم كتفًا بكتف مع فارق أنه كان ضمن أعضاء بعثة الأزهر فى السعودية، ولم يكن هاربًا مثل الإخوان.. الذين جاورهم وصادقهم وعرفهم هناك، الأغرب أن الشيخ الشعراوى فض تحالفه مع الرئيس السادات عقب كامب ديفيد.. وهو نفس الوقت الذى فضت فيه الجماعة تحالفها مع السادات.. وهو أيضًا نفس الوقت الذى حدث فيه الخلاف بين المملكة العربية السعودية والسادات بعد كامب ديفيد.. لقد غادر الشيخ الشعراوى الوزارة.. ورفض قرار الرئيس السادات بتعيينه فى مجلس علماء العرب والمسلمين.. ورفض قرارًا جمهوريًا آخر بتعيينه عضوًا فى مجلس الشورى، وأشاع عن نفسه بعد وفاة السادات أنه أرسل له برقية بعد خطابه الأخير فى مجلس الشعب يلومه فيها على هجومه على الداعية الإخوانى أحمد المحلاوى، ويقول له فيها إن الأزهر يخرج علماء وليس كلابًا.
إننى أسوق هذه الشواهد العامة قبل أن أنتقل للتفاصيل، وسأستند لحوار الشيخ الشعراوى مع الكاتب محمود فوزى فى كتاب «الشعراوى من القرية إلى القمة» ولمصادر أخرى.. وفى التفاصيل أن الشيخ الشعراوى كان عضوًا فى جماعة الإخوان المسلمين عام ١٩٣٧، وأنه هو الذى صاغ البيان التأسيسى للجماعة عقب انتقالها للقاهرة، وأنه كان صديقًا لحسن البنا واكتسب منه عادة السهر الطويل، حيث كان يذهب له بعد صلاة العشاء فى مقر الإخوان ويستمران فى الحديث حتى الفجر.. الغريب أن جماعة الإخوان فى الثمانينيات، وبعد نشر هذا الحوار أصدرت تصريحًا على لسان قيادى قديم فيها نفى فيه عضوية الشيخ السابقة فى الجماعة، وكأنه كان يريد حرمانه من هذا الشرف الذى كان يسعى لاكتسابه.. حيث كانت الجماعة وقتها فى حالة صعود دائم ولم يكن حالها مثل الحال الآن.. يقول الشيخ إنه اختلف مع حسن البنا بسبب موقفه من النحاس باشا وليس لأى سبب آخر.. فهو لا يرى أن الجماعة تحتكر الدين مثلًا.. أو أن دعوتها تخالف الوسطية.. أو أنها تحمل فى داخلها بذرة التكفير والعنف.. إطلاقًا.. بل على العكس.. لقد ظل يطالب بمطالبها ويردد أفكارها مع اختلاف بسيط.. هو كان يرى أن الحاكم هو الذى عليه أن ينفذ هذه الأفكار وليس الجماعة.. إنه يصف جماعة الإخوان فى نفس الحوار بأنها «شجرة وارفة رحم الله من استنبتها وغفر الله لمن تعجل ثمرتها».. إنه يرى أن خطيئة الإخوان الوحيدة أنهم تعجلوا جنى الثمار.. وسارعوا فى الصدام مع الدولة.. وأن عليهم أن يفعلوا مثله.. ويعملوا بهدوء.. ودون صدام.. وقتها ستكون النتيجة حتمية.. وتسقط الثمرة فى حجرهم.. لقد كان هذا منهجه هو شخصيًا وقد نجح فيه بالفعل.. إنه يقول فى نفس الحوار «لو كانوا صبروا كان الحكم جالهم لغاية عندهم.. لكنهم تعجلوا».. إنه لا يرى فى الإخوان أى خطأ من أى نوع سوى أنهم تعجلوا.
وهو عندما يسأل عن سيد قطب أمام كاميرات التليفزيون يقول: «رحم الله صاحب الظلال الوارفة».. والظلال التى يقصدها فضيلة الشيخ كتاب «فى ظلال القرآن»، وهو تفسير وضعه سيد قطب للقرآن الكريم.. وما إن سيطرت عليه الأفكار التكفيرية حتى بدأ يعيد كتابة أجزاء كاملة منه، ويضع فيها هذه الأفكار، كما كشفت أوراق قضية ١٩٦٥، والمعنى أن أفكار قطب التكفيرية لم تكن مقصورة على كتابه «معالم فى الطريق» لكنها مبثوثة فى ثنايا «فى ظلال القرآن» الذى يحبه الشعراوى ويشيد به.. وإلى جانب هذه الاعترافات الصريحة.. هناك ذلك التطابق فى المواقف والمصالح.. فالجماعة تكره ثورة يوليو والشيخ يكره ثورة يوليو، والجماعة ترى أن النكسة كانت عقابًا إلهيًا على إعدام سيد قطب ومجموعة الإرهابيين معه، والشيخ يسجد لله شكرًا عندما يسمع خبر النكسة شماتة وكرهًا، والجماعة تعمل فى خدمة الوهابية وتُمول منها، والشيخ يقضى سنوات طويلة من ٥٢ لـ٦٣ ثم يعود مرغمًا فيسافر الجزائر.. وما إن يموت «عبدالناصر» حتى يسارع بالعودة للسعودية.. ومن الغريب جدًا أن يكون الشيخ مصريًا وأن يكون المذيع أحمد فراج «إخوانى تم استيعابه داخل الدولة المصرية» مصريًا ومع ذلك فإن الذى يعرفهما على بعضهما البعض هو الوزير السعودى أحمد زكى يمانى، وقد أصبح الشيخ الشعراوى نجمًا بعد هذا التعارف.. الذى تم بالصدفة عقب موت «عبدالناصر» وبدء سياسات التصالح مع الإخوان وأسلمة مصر قسريًا وتمكين الإخوان من رقاب المصريين. من نقاط التشابه والتطابق أيضًا أن يتبنى الشيخ مفهوم الاقتصاد الإسلامى ويُحرِّم فوائد البنوك، ويؤسس بنك فيصل الإسلامى، ثم يرعى أكبر ظاهرة نصب باسم الدين حملت اسم ظاهرة شركات توظيف الأموال، وقد درستها دراسة وافية، وأقول إنها ظاهرة إخوانية استخدم فيها الإخوان مجموعة من المغامرين كواجهة للجماعة، كان منهم بكل تأكيد أحمد الريان «أمير الجماعة الإسلامية فى كلية الطب البيطرى»، وأشرف السعد «تلميذ الشيخ إبراهيم عزت، أحد متهمى قضية ومؤسس التبليغ والدعوة»، وقد كانا مع غيرهما واجهة لاستثمارات الجماعة بإشراف قيادى إخوانى قديم هو أحمد عبيد، الذى كان يحمل لقب «وزير مالية الإخوان» وبشراكة محمد عليوة، والد زوجة حسن مالك.. وهو ملف الغاطس فيه أكثر من المعلن.. وقد رعى الشيخ استثمارات الجماعة.. وافتتح مشاريعها.. ودافع عن أصحاب هذه الشركات «الواجهات التى استخدمتها».. وهذا حديث شرحه يطول.. وسنواصله الحلقة المقبلة.