«الوضع آمن».. 3 أبحاث علمية عن «الفطر الأسود»: ضعف المناعة السبب الرئيسى
لم تمر سوى ساعات على وفاة الفنان سمير غانم، فى العشرين من مايو الجارى، حتى انتشر أن وفاته ترجع إلى إصابته بما يطلق عليه «الفطر الأسود»، بعد أن صرح شقيقه بذلك، نافيًا أن تكون الوفاة بسبب الإصابة بفيروس كورونا المستجد.
بعدها انتشرت الشائعات حول هذا «الفطر»، لا سيما فى الفضاء الإلكترونى، وكما هو معتاد بدأت «عمليات التخويف» من «المرض الغامض» الذى يقتل المصابين به فى غضون أيام، بل تراجع الخوف من «كورونا» لصالح «الفطر»، وبدا كما لو أنه مرض جديد معد يمكن أن يشكل «جائحة» جديدة تضرب العالم.
هذا ما دفعنا للبحث وراء الأمر، للإجابة عن عدة أسئلة مهمة، تبدو إجاباتها معروفة بالنسبة للمتخصصين، لكن المجموع العام لا يعلم شيئًا عن هذه الإجابات.. والسؤال الأول: هل هذا الفطر مرض جديد ظهر فى الأيام الأخيرة أو بشكل آخر مع الموجة الثالثة لـ«كورونا»؟، وهل النجاة ممكنة؟، وكيف تحدث الإصابة؟، وما الفئات المعرضة للإصابة؟.
وكانت الإجابات معتمدة على ٣ أبحاث علمية، نُشرت فى مايو الجارى، من ٤ مستشفيات جامعية عن بداية ظهور الفطر، فضلًا عن حالات ميدانية أصيبت بالمرض.
حالات ميدانية: الإصابة بعد التعافى من «كورونا» .. وتأخر العلاج يؤدى إلى «الاستئصال»
بعد تعافى «جراحى»، ٧٢ عامًا، من محافظة الدقهلية، من فيروس كورونا، فى نوفمبر الماضى، لاحظ ابنه «حسام»، ٤٠ عامًا، إصابة والده باحمرار وانتفاخ بعينيه، وذلك بعد ٣ أيام من سلبية المسحة الأخيرة.
ظنت الأسرة أنه مجرد التهاب بسيط لا يحتاج أكثر من شراء قطرة للعين ضد الحساسية من الصيدلية، لكن الحالة بدأت تسوء مع زيادة ورم العين، فاصطحبت الأسرة «جراحى» إلى طبيب عيون، الذى أخبرهم، بعد الأشعة والتحاليل، بأنه مصاب بـ«فطر خبيث بالجيوب الأنفية» يستوجب الحجز بالمستشفى، ولم تكن الأسرة تعرف حينها أن هذا هو الفطر الملقب بـ«الأسود» الآن.
تنقل «جراحى» بين أكثر من مستشفى لمدة ٧ أشهر ومع التأخر فى إجراء العملية اللازمة لإزالة الفطر، فضلًا عن نقص الأدوية المطلوبة لعلاجه تدهورت حالته، ففى البداية مكث أسبوعًا بمستشفى الزقازيق العام، لم يستطع خلاله استئصال الفطر من الجيوب الأنفية، كما أوصى الطبيب، بسبب نقص الإمكانات، كما لم تستطع الأسرة الحصول على الحقن لتحجيم نشاط الفطر، مما اضطرهم لشراء «برشام» بديل لم يكن بنفس مفعول الحقن.
بعدها اضطرت الأسرة لنقل الرجل إلى المنزل والاستمرار على «البرشام» أملًا فى الشفاء لكن دون جدوى، فقد ساءت حالته مما اضطرهم لنقله لمستشفى آخر.
فى طوارئ مستشفى النيل للتأمين الصحى بشبرا الخيمة، استمرت معاناة «جراحى»، فالأطباء أخبروه بأنهم لن يستطيعوا معالجته والأفضل الانتقال إلى معهد ناصر أو قصر العينى، وبالفعل انتقلت الأسرة لمعهد ناصر لكن أزمة الأشعة والتحاليل غالية الثمن باتت عقبة أمامهم، فانتظروا حتى استطاعوا أن يحصلوا على ورقة لإجرائها على نفقة الدولة.
وفى هذه الأثناء كان البحث عن الحقن مستمرًا وسط صعوبات فى الحصول عليها، وهو ما يرجعه طبيب الأنف والأذن بمستشفى جامعة بنى سويف، مصطفى عبداللطيف، إلى أن الأدوية المعالجة لـ«الفطر» ليست لها بدائل كثيرة، لقلة وجودها فى السوق المصرية، فالمادة الفعالة للعلاج هى «الأمفوتريسين ب»، ويصل سعر حقنة «أمبيزوم» إلى ١٨٢٠ جنيهًا، ويحتاج المريض لحقنتين يوميًا، كما توجد بدائل أخرى ولكنها أقل فى الفاعلية، فضلًا عن إجراء وظائف للكلى والكبد كل يوم أو يومين ما قد يمثل عائقًا ماديًا على المريض، كما يوجد بعض العلاجات الأخرى مثل «الفوريكونازول» أو «البوساكونازول.»
بينما أشار طبيب عيون بأحد المستشفيات الخاصة الكبرى- فضل عدم نشر اسمه- إلى أن تكلفة الليلة الواحدة فى المستشفى، من إقامة وعلاج، قد تتراوح بين ١٠ و١٥ ألف جنيه يوميًا، فى حين يحتاج المريض لمتابعة من أسبوعين إلى ٣ أسابيع، مضيفًا أنه أجرى عملية لإزالة الفطر من الجيوب الأنفية لمريض مصاب بالسكرى لكنه توفى بعد العملية.
وسط كل ذلك تدهورت حالة «جراحى» حتى توغل «الفطر» إلى عينه اليمنى والجزء العلوى من الفك، الأمر الذى تطلب عمليتين، فقد نُقل بعدها لمركز العيون بروض الفرج لإزالة العين اليمنى بعد تضرر عصب العين والشبكية، ثم أجرى عملية فى مارس الماضى لإزالة الجزء العلوى من الفك قبل أن يتوغل الفطر للمخ فى قسم جراحة الوجه والفكين بمعهد ناصر.
وبعد شهرين من العملية يتابع «جراحى» الآن فى مستشفى قصر العينى لتركيب جهاز تعويضى بديلًا للجزء المزال من الوجه، كما يحتاج للتغيير على الجرح مرتين يوميًا حتى لا ينتشر الفطر، فضلًا عن جلسات الأكسجين المضغوط على جرح العملية.
استخدام «الكورتيزون» والمضادات الحيوية بصورة عشوائية يُهدد بالإصابة
حالة «جراحى» وغيره لفتت أنظار الأطباء العاملين فى المستشفيات، خاصة الجامعية منها، ففى ١٩ مايو الجارى نشرت المجلة العلمية «لارينجوسكوب»، المتخصصة فى أبحاث الأنف والأذن، بحثًا من قسم أمراض الأنف والأذن والحنجرة وجراحة الرأس والعنق كلية الطب جامعة المنصورة، بعنوان «التهاب الجيوب الفطرية الغازية فى مرضى ما بعد كوفيد- ١٩».
البحث، الذى وثق ٣٦ حالة أصيبت بالفطر بين أغسطس وديسمبر ٢٠٢٠، أوضح أن «التهاب الجيوب الأنفية الفطرى الغازى الحاد هو عدوى قاتلة توجد بشكل خاص فى المرضى الذين يعانون ضعف المناعة، ويعتبر النوع الفرعى الأكثر عدوانية من التهاب الجيوب الأنفية الفطرى مع وفيات خطيرة».
وتراوحت سن المرضى بالبحث بين ٢٢ و٧٢ عامًا، وكان متوسط المدة التى أصيب فيها المرضى بعد سلبية مسحة «كورونا» من ٣ أيام إلى ١٨ يومًا، ما عدا حالتين أصيبتا أثناء إيجابية المسحة، بينما كانت الأعراض الأكثر شيوعًا هى الصداع وآلامًا وخدرًا بالوجه وشلل العينين وفقدان البصر، فيما بقى على قيد الحياة ٢٣ مريضًا بينما توفى ١٣.
وذكرت الدراسة أن معدل الإصابة بالفطر الغازى قبل «كوفيد- ١٩» تراوح بين ٥ و٧ حالات سنويًا، بينما أكد ياسر خفاجى، رئيس قسم الأنف والأذن بجامعة المنصورة أحد المشاركين بالبحث، لـ«الدستور»، أن هذا الفطر نادر ولكن معدل الإصابة فى تزايد بعد الإصابة بـ«كورونا»، خصوصًا فى الآونة الأخيرة، حيث وصل لمتوسط حالتين إلى ثلاث حالات أسبوعيًا.
البحث الثانى كان لأطباء جامعتى الأزهر بدمياط والقاهرة، ومديرة مستشفيات عزل الجيزة، ابتسام زفان، الذين أجروا بحثًا مقارنًا خلال الأربع السنوات الماضية بين ٢٠١٧ و٢٠٢٠ حول «الفطر الأسود»، ونُشرت نتائج البحث، بعنوان «تأثير تفشى مرض كوفيد- ١٩ على حدوث التهاب الجيوب الأنفية الفطرية الغازية الحادة»، فى المجلة الأمريكية لطب الأنف والأذن والحنجرة، وذلك خلال مايو الجارى.
واشتمل البحث على ٥٦ مريضًا، ٣٠ من الذكور و٢٦ من الإناث، حيث أشار إلى أن ٢٠٢٠ العام الأكثر إصابة بالتهاب الجيوب الأنفية الفطرية الغازية منها «ميوكرميكوزيز» وفطر الرشاشيات وغيرهما، حيث وصل إلى ٢٩ حالة.
وقال الدكتور وائل الملاح، أستاذ الأنف والأذن والحنجرة بطب الأزهر دمياط، لـ«الدستور»، إن هذه الفطريات الغازية مرض نادر مميت يصيب الجيوب الأنفية خاصة أصحاب الأمراض المزمنة، مضيفًا أنه «بعد أن كان معدل تردد الحالات المصابة بـ(الفطر الأسود) على القسم لا يتجاوز ٤ أو ٥ حالات، لاحظنا ارتفاع الأعداد بين المتعافين من كورونا ولكنه يظل مرضًا نادرًا».
وأشار إلى أن الإصابة قد تنتشر من الجيوب الأنفية إلى العين وإلى المخ والفك، مما قد يستدعى تدخلًا جراحيًا لاستئصال الجيوب الأنفية والفك وكل الأنسجة التالفة لوقف انتشار المرض، موضحًا أن الفطر يهاجم الأوعية الدموية المغزية للنسيج ويمنع تدفق الدم إليها، مما يؤدى إلى تلف الأنسجة وتحولها إلى اللون الأسود، ومن هنا جاءت التسمية الدارجة بـ«الفطر الأسود».
وأضاف أن البحث ناقش أسباب إصابة المتعافين من «كورونا» التى جاء على رأسها استخدام الكورتيزون والأدوية المثبطة للمناعة والمضادات الحيوية بصورة عشوائية وبجرعات كبيرة، وكذلك التأثير المباشر لفيروس كورونا على الجهاز المناعى مما أدى إلى زيادة الالتهابات الفطرية للجيوب الأنفية بصورة كبيرة، و«لذلك وجب الحذر الشديد عند تناول هذه الأدوية، وكذلك العمل على رفع مناعة مرضى كورونا، والعمل على ضبط مستوى السكر بالدم بشكل مستمر».
وفى مستشفيات جامعة عين شمس، نشرت مجموعة من الأطباء بحثًا، فى أبريل الماضى، بالمجلة العلمية «فرونتيرز»، تحت عنوان «ارتفاع فى حالات داء الغشاء المخاطى المدارى والدماغى الذى يتم تقديمه إلى مركز الرعاية أثناء جائحة كوفيد- ١٩»، حيث وثقوا ١٢ حالة بـ«الفطر الأسود» خلال ستة أشهر بين ٢٥ مارس و٢٥ سبتمبر ٢٠٢٠، مقابل حالة فى ٢٠١٧، وحالتين فى ٢٠١٨، وحالة فى ٢٠١٩، وكانت ٥ من ضمن الـ١٢ حالة فى ٢٠٢٠ مصابين بـ«كورونا» وحالة متعافية.
ووثقت بعض الدراسات السابقة، نُشرت فى مجلات علمية، منها دراسة بواسطة مستشفى سرطان الأطفال ٥٧٣٥٧ على بعض مرضى الأورام، إصابة ٤٥ مريضًا فى الفترة بين ٢٠٠٧ و٢٠١٧، وحدوث ١٥ حالة وفاة منهم نتيجة التأخر فى بدء العلاج.
«الصحة» ومستشار الرئيس يؤكدان: «لا تقلقوا»
تعليقًا على ذلك، قال الدكتور حاتم بدران، استشارى الأنف والأذن بقصر العينى، إنه قديمًا كان يقابل ٣ حالات سنويًا لكن الفترة الأخيرة كان المعدل ٣ حالات شهريًا، وجميعها تعالجت من «كورونا» بـ«الكورتيزون»، فيما قال الدكتور مصطفى عبداللطيف، بمستشفى جامعة بنى سويف، إنهم أجروا ٩ عمليات فى الفترة الأخيرة لإزالة «الفطر» من الجيوب الأنفية، وتوفى أكثر من نصفهم بعد العملية.
وذكر طبيبا رمد بمستشفى عين شمس التخصصى ومستشفى خاص، امتنعا عن نشر اسميهما، أنهما يقابلان من حالتين لثلاث أسبوعيًا مؤخرًا.
وفى بيان لوزارة الصحة عن الفطر الأسود، قالت إنه تم رصد بعض الحالات المتفرقة المصابة فى الحالات المصابة بـ«كوفيد- ١٩»، مشيرة إلى أن «الفطر الأسود ظهر فى عدد محدود جدًا من الحالات فى مصر خلال العقود الأخيرة، ويتوافر العلاج الدوائى المناسب لها».
وهذا الأمر أكده الدكتور عوض تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الصحية، قائلًا: «لا يوجد قلق من الفطر الأسود، فهو سلالة من سلالات الفطريات وليس مرضًا جديدًا أو وباء، بل له علاقة بمضاعفات كورونا وأمراض أخرى».